Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

ماذا تغير في تركيا بعد عام من بدء عودة السوريين إلى بلادهم؟

أنقرة – شهدت تركيا خلال العام الماضي عودة طوعية واسعة النطاق للاجئين السوريين، وهي الأكبر منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. وقد تجاوز عدد العائدين 578 ألف شخص، وذلك في أعقاب التطورات الأخيرة في سوريا، ضمن برنامج العودة الآمنة والمنظمة الذي تشرف عليه أنقرة. هذه الظاهرة، التي أدت إلى تغييرات ديموغرافية واقتصادية ملحوظة، تثير تساؤلات حول مستقبل ملف اللاجئين السوريين في تركيا.

وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية التركية وإدارة الهجرة، فإن إجمالي عدد السوريين الذين عادوا إلى بلادهم منذ عام 2016 وصل إلى حوالي مليون و318 ألف شخص. وتأتي هذه العودة في ظل تحولات سياسية واقتصادية متسارعة في المنطقة، وتوقعات بتخفيف الضغوط على تركيا فيما يتعلق بملف اللجوء.

تحولات سكانية وتأثيرها على المدن التركية

أظهرت المدن التركية الكبرى، وعلى رأسها إسطنبول وغازي عنتاب وهاتاي، أبرز ملامح التغير الديموغرافي الناتج عن هذه الموجة. فقد سجلت هذه المدن انخفاضًا ملحوظًا في أعداد السوريين المقيمين فيها. ففي إسطنبول، انخفض عدد السوريين من حوالي 481 ألفًا في مايو الماضي إلى 417 ألفًا بنهاية نوفمبر. أما في غازي عنتاب، فتراجع العدد من 386 ألفًا إلى 333 ألفًا، بينما شهدت هاتاي انخفاضًا من 195 ألفًا إلى 154 ألفًا تقريبًا خلال الفترة نفسها.

هذا التراجع في أعداد اللاجئين السوريين انعكس بشكل مباشر على الضغط على الخدمات العامة في تلك الولايات، خاصة في قطاعات التعليم والصحة. وأشارت بلديات محلية إلى تراجع الكثافة الصفية في المدارس الحكومية نتيجة انخفاض عدد التلاميذ السوريين. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ انخفاض في أعداد المراجعين من اللاجئين في المستشفيات والمراكز الصحية.

تداعيات اقتصادية لعودة اللاجئين السوريين

لم تقتصر تأثيرات عودة اللاجئين السوريين على الجانب الديموغرافي والخدمي، بل امتدت لتشمل الجانب الاقتصادي. فقد أثرت عودة مئات الآلاف من السوريين على سوق العمل التركي، حيث ساهمت في تخفيف الضغط على قطاعات تشهد منافسة متزايدة على الوظائف. ومع ذلك، كشفت أيضًا عن فجوات حادة في قطاعات اقتصادية كانت تعتمد بشكل كبير على العمالة السورية، خاصة في ولايات الجنوب ذات النشاط الصناعي الكثيف.

وفي غازي عنتاب، أكد رئيس غرفة تجار الخياطة والنسيج أن أكثر من نصف ورش النسيج اضطرت إلى الإغلاق بسبب فقدان العمال السوريين، الذين كانوا يشكلون عماد هذا القطاع. وبالمثل، أشار رئيس غرفة صناعة الأحذية في الولاية إلى أن حوالي 10 آلاف عامل سوري غادروا القطاع خلال العام، مما أدى إلى نقص كبير في الأيدي العاملة المدربة وتراجع في وتيرة الإنتاج.

هذا النقص في العمالة أثر على العديد من المصانع الصغيرة التي اضطرت إلى التوقف مؤقتًا عن العمل. بينما لجأت المصانع الأكبر إلى توظيف عمال جدد أو زيادة الاعتماد على القوى العاملة التركية، ولكن دون القدرة الكاملة على تعويض المهارات والخبرات التي غادرت مع العمال السوريين. وقد أعلنت وزارة العمل عن إطلاق دراسة لتقييم أثر العودة على سوق العمل ورصد الفجوات في القطاعات المختلفة.

استراتيجيات جديدة لسوق العمل

بالتزامن مع ذلك، كشفت مصادر إعلامية مقربة من الحكومة عن إستراتيجية وطنية جديدة للتوظيف تمتد حتى عام 2028. تتضمن هذه الإستراتيجية خططًا لاستقدام عمالة أجنبية من دول آسيا الوسطى وأفريقيا لتغطية النقص المسجل في قطاعات حيوية مثل البناء والنسيج والصناعات الخفيفة. وتدرس الحكومة إمكانية منح بعض العمال السوريين المهرة تصاريح عمل طويلة الأجل أو إقامات دائمة، بهدف معالجة النقص في الأيدي العاملة الماهرة.

تحول سياسي في التعامل مع ملف اللجوء

شهد الخطاب السياسي التركي تحولًا ملحوظًا في تعاطيه مع ملف اللاجئين السوريين. فقد تراجعت نبرة التصعيد التي كانت سائدة في السنوات الماضية، وحل محلها لغة أكثر توافقًا تركز على دعم العودة الطوعية واحترام كرامة العائدين. حزب الشعب الجمهوري، الذي كان يطالب بإعادة اللاجئين، عدل من موقفه بعد التطورات الأخيرة في سوريا.

ويرى الباحثون أن هذا التحول يعكس نهاية مركزية خطاب اللجوء في المعارك الانتخابية، وأن الرأي العام بدأ يتعاطى مع السوريين كملف سياسي واقتصادي، وليس مجرد قضية توتر قومي. ويشيرون إلى أن هذا التطور يتطلب تحليلًا دقيقًا للخطاب السياسي والإعلامي لفهم مدى تأثيره على المواقف العامة.

من المتوقع أن تستمر أنقرة في جهودها لتشجيع العودة الطوعية للاجئين السوريين، مع التركيز على توفير الظروف الآمنة والمستدامة لعودتهم. في الوقت نفسه، ستواصل الحكومة التركية العمل على معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لعودة اللاجئين، من خلال تنفيذ إستراتيجيات جديدة لسوق العمل وتطوير الخدمات العامة. وستظل قضية اللاجئين السوريين في تركيا من القضايا الرئيسية التي تشغل بال الحكومة والمجتمع التركي في الفترة القادمة، خاصة مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن الوضع في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى