السينما والانتخابات.. هل يحمل “ريغان” ترامب إلى البيت الأبيض؟
لطالما كان للسينما دور مؤثر في الثقافة الأمريكية، وبالتأكيد في السياسة، ومنذ بداية صناعة الأفلام استخدمها السياسيون أداة للتأثير في الرأي العام وصياغة الصورة العامة للمرشحين والقضايا، بشكل مباشر أو غير مباشر.
نلمس ذلك في الفيلم الجديد “ريغان” الذي يتناول سيرة الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان، والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة، خصوصاً في سياق الحملات الانتخابية الرئاسية الحالية.
يأتي الفيلم في وقت حساس جداً من سباق الرئاسة الأمريكية، ويعرض جانباً من حياة ريغان، بما في ذلك محاولة اغتياله الشهيرة في عام 1981، ولا يخفى التشابه في القصة مع الأحداث الحالية، حيث شهد الصيف الماضي محاولة اغتيال لدونالد ترامب، ما يضفي بُعداً جديداً على النقاش حول الفيلم وحول تأثيرات السينما في الانتخابات الأمريكية.
ورغم أن الفيلم لا يهدف بشكل مباشر إلى تعزيز أي حملة انتخابية، فإن التشابه بين محاولتي الاغتيال – تلك التي تعرض لها ريغان وتلك التي تعرض لها ترامب – واستعادتها في قالب درامي تاريخي في هذا التوقيت يثير تساؤلات حول كيفية استغلال الأفلام التاريخية في السياقات السياسية الحالية.
وفيما حقق الفيلم تقييماً إيجابياً بنسبة 98% من الجمهور على موقع “روتن تومايتوز”، سجل تقييمات منخفضة بنسبة 21% من النقاد المحترفين.. حيث عاب النقاد تقديمه صورة مثالية لريغان وتجاهله الجوانب المثيرة للجدل في فترة رئاسته، مثل السياسات الاقتصادية وأزمة الإيدز.
في المقابل، أظهر استطلاع لشبكة “سي إن إن”، أن 65% من الجمهور يرون الفيلم “تجربة ملهمة”، بينما رآه 40% مفتقراً للتوازن في تقديم تاريخ ريغان.
عموماً.. كشفت دراسة من مركز الأبحاث السياسية في جامعة كاليفورنيا أن الأفلام السياسية غالباً ما تُستغل في الحملات الانتخابية لتقديم صورة محددة عن الشخصيات التاريخية، وهذا ما يثيره “ريغان”، حيث يحفز تساؤلات حول كيفية تأثير الأعمال الفنية على السياق السياسي الحالي، خصوصاً عندما تتقاطع القضايا التاريخية مع الأحداث المعاصرة.
بدايات
في السنوات الأولى للسينما، استخدمت الأفلام بشكل غير مباشر للترويج للسياسات والأيديولوجيات، فقد شهدت فترة الثلاثينيات، استخدام الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت الأفلام كجزء من حملته التي أطلق عليها “الصفقة الجديدة”، وهي مجموعة من البرامج والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقت لمواجهة تأثيرات الكساد الكبير. بهدف إنعاش الاقتصاد الأمريكي وتحسين الظروف الاجتماعية، ولعبت السينما فيها دوراً مهماً من خلال ترويجها وشرحها للجمهور، حيث كان السينمائيون يتعاونون مع الإدارة السياسية لخلق أفلام وثائقية تروّج للإنجازات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة.
الحرب الباردة
تجلت أهمية هوليوود تحديداً في فترة الحرب الباردة، حيث أصبحت أداة مهمة للترويج للأيديولوجيات السياسية، فأنتجت في فترة الخمسينيات، العديد من الأفلام التي تدعم السياسات الأمريكية في مواجهة الشيوعية، مثل فيلم “أعداء الشعب” (1952) الذي عرض تهديدات الشيوعية، وغيرها من الأفلام التي أنتجت في ظل دعم حكومي يهدف لتقوية الموقف الأمريكي وتعزيز الأمن القومي.
تأثير ثقافي
في الستينيات والسبعينيات، تطور الترويج السياسي في هوليوود ليأخذ الطابع الثقافي، فكان هناك اهتمام متزايد بالتأثير الاجتماعي للأفلام، ومثال ذلك استفادة حملات جون ف. كينيدي الرئاسية في عام 1960، من وسائل الإعلام الحديثة لإيصال رسائلها، بما في ذلك استخدام برامج تلفزيونية وشخصيات هوليوودية مؤثرة.
نجوم
في الثمانينيات والتسعينيات، نضج دور السينما في تشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام في الوقت نفسه، فبدأت الحملات الانتخابية في استغلال شهرة نجوم هوليوود مثلاً، بشكل أكثر وضوحاً. فاستخدم رونالد ريغان، النجم الهوليوودي السابق، مكانته في هوليوود لتعزيز حملته الانتخابية. كما أن أفلاماً مثل “الميدان الأخضر” (1988) و”أوليفر ستون” زادت من الوعي بالسياسات والمرشحين.
الانتخابات الرقمية
مع بداية الألفية الجديدة، والثورة التكنولوجية الرقمية الهائلة، وتزايد أهمية الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية، لم تفقد هوليوود مكانتها بل استمرت في لعب دور رئيسي. ففي انتخابات عامي 2008 و2012، استخدم باراك أوباما وسائل التواصل الاجتماعي والنجوم لدعم حملاته. وأثرت أفلام وثائقية مثل “فهرنهايت 9/11” (2004) لمايكل مور بشكل كبير في توجيه الرأي العام، وساهمت في تشكيل الوعي السياسي بين الأمريكيين.
عولمة
تستمر هوليوود في ممارسة تأثير كبير على العقل الجمعي للأجيال عبر العالم، ما يعكس أحد أبرز تجليات العولمة، ورغم الأصوات الشعبوية التي تدعو إلى العودة إلى الذات والحفاظ على الهوية الثقافية، لا تزال بعض الأفلام التي تنتجها هوليوود تسلط الضوء على قضايا عالمية مهمة مثل الحقوق المدنية، الهجرة، وتغير المناخ.. مثل أفلام: th13 الذي أنتج في (2016) و”الرقص مع الوحوش” المنتج في (2020) إضافة إلى معالجة القضايا الاجتماعية من وجهة نظر غربية طبعاً.
لكن لوحظ في السنوات الأخيرة أن تأثير هوليوود قد تغير مع مرور الوقت، فقد أسهمت التطورات الرقمية والنمو في إنتاج السينما العالمية في تعزيز التنوع وتوفير وجهات نظر متعددة، فالمنصات الرقمية مثل نتفليكس وأمازون برايم، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، توفر الآن منصات متنوعة تؤثر في الجمهور وتقدم روايات بديلة، كما أصبحنا نرى تزايداً في الأفلام المنتجة في ثقافات متنوعة، ما يعزز من الحوار الثقافي ويعكس تجارب متعددة.