دور متنامٍ للتقنية بجعل المدن أكثر استدامة وقابلية للحياة
بالتزامن مع نمو أعداد السكان وزيادة التركيز على الاستدامة، تستخدم العديد من السلطات المدنية أدوات ذكية تعتمد على البيانات لإنشاء نظام بيئي يقلل من استهلاك الطاقة، ويحسن الكفاءة، ويتحكم في نفقات الصيانة. ويتجه قادة المناطق الحضرية إلى نماذج المدن الذكية القائمة على البيانات لتعزيز بيئة أكثر ملاءمة للعيش للسكان.
تعتبر المدن ذكية عندما تقوم بدمج تقنية المعلومات والاتصالات في الوظائف الإدارية لتعزيز الكفاءة والتفاعل مع أصحاب المصلحة وتحسين الرفاه وقابلية الحياة للمواطنين. ويمكن للبرامج الصناعية المتقدمة الآن جمع وتصور وتحليل البيانات من مجموعة واسعة من الخدمات المدنية التي تقوم على أساس رقمي موحد. ومن خلال الرؤية الشاملة، يمكن للفرق اكتشاف الاتجاهات والتنبؤ بالتحديات التشغيلية، ما يحسن الوعي بالمواقف والظروف ويعزز الاستجابة للأزمات، وكل ذلك عبر بوابة واحدة.
وإلى جانب التدابير الاستراتيجية الأخرى مثل مشاركة المجتمع، وأطر السياسات، والاستثمار في البنية التحتية، وبرامج التوعية، يمكن للتقنيات الرقمية أن تساعد في إنشاء مناطق حضرية أكثر استدامة وصلاحية للحياة. ومن خلال مقياس واحد فقط، يمكن للحلول الرقمية المتاحة حالياً أن تحقق ما يصل إلى 20% من تخفيض استهلاك الطاقة اللازم لتحقيق مسارات الحياد المناخي التي حددتها وكالة الطاقة الدولية للعام 2050 في صناعات الطاقة والمواد والتنقل، وفقاً لتحليل أجرته شركة أكسنتشر والمنتدى الاقتصادي العالمي.
وبالنسبة للمدن، أصبحت فوائد تطبيق التقنيات الذكية واضحة بالفعل على أرض الواقع، فبفضل الأنظمة الرقمية المتقدمة، يمكن للمرافق الخدمية جمع وتحليل البيانات التشغيلية بشكل آني، ما يجعلها أكثر كفاءة وابتكاراً، ويمكنها من تقديم خدمة أفضل للعملاء.
وهذه هي تجربة مدينة برشلونة في إسبانيا، حيث تعمل منصة التحكم المنسقة مركزياً تماماً كما يعمل الجهاز العصبي المركزي، إذ تقوم المنصة بنقل واستقبال المعلومات من شبكة من أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء المدينة.
وباستخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، يمكن للمخططين مراقبة العمليات الحضرية وتحسينها فوراً. ولا يزال استخدام الطاقة يمثل تحدياً للمدن، ولكن يمكن تحسينه عبر المرافق الحضرية من خلال المراقبة الآنية واستخدام تحليلات البيانات المدعمة بالذكاء الاصطناعي. ونظراً لأن تغير المناخ أصبح الآن أولوية ملحة، تستخدم المدن الذكية الأنظمة الرقمية لتسريع اعتماد الطاقة النظيفة وتسهيل الانتقال نحو مستقبل أكثر استدامة ومرونة.
ويشكل النقل الحصة الكبرى من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة لما يقرب من نصف دول العالم (45%)، وفقاً للأمم المتحدة، لكن إقناع سكان المناطق الحضرية بالتحول إلى وسائل النقل العام يتطلب شبكة واسعة وآمنة، ويمكن الوصول إليها على نطاق واسع وتعمل في أوقات محددة ودقيقة.
ويمكن لحلول المدن الذكية أن تسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف الحياد المناخي، ما يساعد على تحسين النتائج حتى في المرافق القائمة. وقد وضعت نحو 62% من الحكومات في جميع أنحاء العالم استراتيجية استدامة على المستوى المؤسسي، وفقاً لاستطلاع أجرته «ريسيرش 451» لعام 2023.
والقاسم المشترك هنا هو الطريقة التي تستفيد بها من البيانات الصناعية الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء والسحابة لحل التحديات الحضرية والمساعدة في تسريع إنشاء مدن أكثر استدامة وصلاحية للعيش. والآن، يتم دمج هذه التقنيات في فئة مرنة وقابلة للتطوير من الحلول البرمجية، التي يشار إليها باسم الذكاء الصناعي كخدمة. وتعمل حلول الذكاء الصناعي كخدمة على تعزيز التعاون داخل الكيانات الصناعية وفيما بينها، فضلاً عن تحسين النتائج المتحققة للمستهلكين.
وبالنسبة للمدن، هذه وسيلة لزيادة تحسين عملياتها، والحد من استخدام النفايات والموارد، والابتكار المستمر للوصول إلى مستقبل منخفض الكربون، مع تعزيز مشاركة المواطنين، وتحسين الرفاه وقابلية الحياة.