هل ينجح ذكاء “آبل” الاصطناعي في تسهيل حياتنا حقًا؟
كشفت “آبل” عن خططها لدمج الذكاء الاصطناعي مع منتجاتها للمرة الأولى ضمن حدث المطورين في يونيو/حزيران الماضي ثم أتبعته بعرض لمزايا إضافية ضمن حدث الإعلان عن هواتف “آيفون 16” في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري.
وفي كلا الحدثين، ركزت “آبل” على مزايا هذه التقنية بشكل مفصل، وأشارت في عدة مواضع إلى الأثر الذي تملكه هذه التقنية على حياتنا اليومية، وذلك عبر ذكر سيناريوهات استخدام واقعية وحقيقية لتقنية الذكاء الاصطناعي قد تمر علينا بدءًا من مشاركة مجموعة من الصور بعينها مع أحد الأشخاص أو تلخيص الرسائل والصفحات والنصوص الطويلة فضلًا عن مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي بدءًا من توليدا النصوص وحتى توليد الصور.
تبرع “آبل” في تقديم العروض التقنية والكشف عن التقنيات الجديدة، إذ تنجح في كل مرة في إعادة تقديم التقنيات القديمة على أنها شيء مبتكر للغاية وفريد من نوعه، وقد نجحت الشركة في فعل ذلك مع تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها رغم أن غالبيتها متاح في بقية نماذج الذكاء الاصطناعي المنافسة وحتى الهواتف الذكية المنافسة، وهذا يدفعنا للتساؤل، هل تنجح “آبل” حقًا في تقديم تقنية يكون لها أثر إيجابي على تيسير الحياة؟ أم أنها مجرد مبالغة دعائية أخرى من الشركة؟.
آراء أولية متضاربة
لم تطرح “آبل” بعد النموذج النهائي من تقنية “ذكاء آبل” كما تطلق على نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، ورغم ذلك، فإن العديد من هذه المزايا متاحة عبر تحميل النسخ التجريبية لنظام “آي أو إس 18″، وهو ما قام به العديد من خبراء التقنية حول العالم.
نقل هؤلاء الخبراء تجاربهم مع التقنية الجديدة بشكل مكثف بعد مؤتمر الشركة الأخير، وذلك كون الشركة ركزت كثيرًا على هذه المزايا في المؤتمر وأشارت مرارًا لكون هذه المزايا كفيلة للترقية للجيل الجديد من هواتف “آيفون” الرائدة.
تراوحت آراء الخبراء حول التقنية الجديدة بين كونها “غير منتهية” و”غير مفيدة على الإطلاق”، إذ وصف خبراء موقع “إيه آي سوبريماسي” (Ai Supremacy) التقنية بأنها خرقاء وغير مفيدة، في حين أن جيفري أ. فاولر الخبير التقني في موقع “واشنطن بوست” يرى بأن التقنية تعاني من أخطاء تقنية لا يجب أن تحدث مع تقنية اقترب موعد طرحها للعامة، وهو الرأي الذي اتفق معه آدم كلارك إستس الخبير التقني في موقع “فوكس” (Vox) الذي وصف التقنية بأنها متواضعة في أفضل الأحوال.
ينظر كل خبير إلى تقنية “آبل” الجديدة بشكل مختلف، وهو الأمر الذي جعل الآراء المتضاربة عنها تغطي كافة ألوان الطيف، فبينما يتحدث مايكل سبنسر من “إيه آي سوبريماسي” عن التقنية مقارنةً مع تقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى، فإن فاولر ينظر إليها بعين الاستخدام اليومي، وكذلك إستس الذي وصف التقنية بأنها تغير طريقة تعامله مع أجهزة “آبل” دون أن تؤثر في حياته بشكل إيجابي على وضعها الحالي.
وعلى النقيض، يمكن العثور على العديد من خبراء التقنية في “يوتيوب” الذين يرون التقنية ثورية وقادرة على تغيير شكل المستقبل واستخدامنا للهواتف بشكل عام، مثل دان باربيرا خبير موقع “ماك رومرز” (MacRumors) الشهير والمختص بأجهزة “آبل” الذي يؤمن بأن التقنية ثورية وقادرة على تغيير المستقبل وطريقة استخدام الهاتف بشكل كامل مؤكدًا أن التحديات الموجودة في النسخ البدائية من التقنية تختفي تمامًا مع التحديث الرسمي عند صدوره.
تحديات معتادة أمام الذكاء الاصطناعي
تعتمد تقنية “آبل” الجديدة في جوهرها على نموذج “شات جي بي تي” الذي تقدمه شركة “آوبن إيه آي” رائدة الذكاء الاصطناعي، لذا من المتوقع والمنطقي أن تعاني تقنية “آبل” من التحديات ذاتها التي يعانيها “شات جي بي تي”.
هذه التحديات كانت واضحةً في تجربة فاولر للنسخة التجريبية من التقنية، إذ كانت العديد من الإجابات التي تأتي من “سيري” أو حتى من ميزة تلخيص النصوص والبحث عن المعلومات خاطئة بشكل كبير، فضلًا عن بعض التحديات الموجودة في ميزة تلخيص الرسائل والتنبيهات، إذ كانت التنبيهات ملخصة بشكل خاطئ يجعل المعلومات المذكورة فيه خاطئة بشكل كامل.
ظهرت بعض المشاكل والتحديات بشكل متسق بين جميع التجارب الموجودة لنموذج الذكاء الاصطناعي، وهي تحديدًا في ميزة تعديل الصور عبر الذكاء الاصطناعي، إذ كان النظام يفشل في تقديم نتائج مناسبة عند استخدام هذه الميزة.
تظل المزايا الأخرى بعيدة عن التجربة وغير واضحة، وذلك مثل ميزة توليد الصور أو بناء الرموز التعبيرية فضلًا عن بعض المزايا المتطورة في نسخة “سيري” المحسنة، ولكن من المنطقي ظهور التحديات ذاتها، كونها تعتمد على البناء ذاته.
استهلاك هائل للبطارية
أشار فاولر في تجربته مع موقع “واشنطن بوست” إلى أن مزايا الذكاء الاصطناعي تستهلك البطارية بشكل أسرع من المعتاد، إذ كانت البطارية تنفد أسرع بـ5 ساعات عند استخدام مزايا الذكاء الاصطناعي في الهاتف، وهو الأمر الذي قد يمثل عقبة كبيرة أمام التقنية، كون البطارية من أكبر التحديات الموجودة في هواتف “آيفون” بشكل عام.
ومن الجدير بذكره أن فاولر اختبر التقنية في نسختها التجريبية عبر نظام تجريبي من “آبل” على هاتف “آيفون 15 برو ماكس”، ومن المعروف أن الأنظمة التجريبية من “آبل” تعاني من مشاكل في أداء البطارية بشكل مستمر، فضلًا عن كون معالج “إيه 18 برو” (A18 Pro) الجديد المستخدم في هواتف “آيفون 16 برو” أقدر على التعامل مع مزايا الذكاء الاصطناعي وتحسين استهلاك البطارية، لذا قد لا تظهر هذه المشكلة معه.
إذا صح هذا الافتراض، فإن مالكي أجهزة “آيفون 15 برو” و”آيفون 15 برو ماكس” سيواجهون تحديات جمة عند تشغيل ميزات الذكاء الاصطناعي، بدءًا من بطء في تشغيل التقنية وحتى استهلاك أعلى للبطارية بشكل ملحوظ.
الخصوصية.. أهم مزايا ذكاء “آبل” الاصطناعي
رغم اعتماد “آبل” على نموذج “شات جي بي تي” في تشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة فإن الشركة فضلت الاعتماد على تقنيتها الخاصة في تأمين بيانات المستخدمين، وهذا عبر آلية مبتكرة لتشغيل التقنية بشكل مباشر من الهاتف دون الحاجة إلى الاتصال بالخادم السحابي إلا في حالات بعينها، وحتى عند ذلك، فإن الشركة بنت تقنية مختلفة أيضًا لحماية بيانات المستخدم، لذا يمكن القول بأن الخصوصية هي الميزة الأهم في تقنية “آبل” الجديدة لتشغيل الذكاء الاصطناعي في هواتفها.
في البداية، قامت “آبل” ببناء نموذج الذكاء الاصطناعي مباشرةً في الهاتف، ورغم أن النموذج المحلي الذي يتم تشغيله مباشرةً من الهاتف لن يحمل كافة المزايا الخاصة بالتقنية، فإنها ستكون كافية للتعامل مع البيانات الحساسة للمستخدمين ومنع وصول خوادم الشركة أو الاطلاع عليها بعيدًا عن المستخدمين.
ومن أجل المزايا التي تحتاج إلى الاتصال بالخوادم السحابية، فقد صنعت الشركة تقنية فريدة ومختلفة تدعى “الحوسبة السحابية الخاصة”، وهي تتيح للهاتف الاتصال مباشرةً بالخادم واستخدام قدراته الحوسبية الكبيرة دون مشاركة البيانات معه بشكل مباشر، وذلك لأن الخوادم التي تعتمد على هذه التقنية تستخدم معالجات “آبل” الخاصة، وإذا أردنا اختصار التقنية بشكل مخل، فيمكن القول بأن الهاتف يسيطر على الخادم ويستخدم قدرته الحوسبية دون أن يكون للخادم نظام تشغيل خاص به أو قدرة على الاطلاع على البيانات الموجودة والتي يتم مشاركتها معه.
تضمن هذه التقنية أن بيانات المستخدمين وكافة العمليات المتعلقة بهم تتم بشكل محلي تحت سيطرة نظام الهاتف المغلق والمؤمن تمامًا، وهو ما يعزز من الخصوصية وتجربة المستخدم بشكل كبير، وقد وصفت نيكول كارينيان نائبة الرئيس للذكاء الاصطناعي الإستراتيجي في منظمة الأمن السيبراني البريطانية “دارك تريس” (Darktrace) أثناء حديثها مع موقع “ذا ستاك” (The Stack) هذه التقنية بأنها ثورية وقادرة على تغيير آلية تعامل الشركات مع الذكاء الاصطناعي بشكل عام فضلًا عن كونها تزيل إحدى أشهر العقبات أمام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالخصوصية.
وضعت “آبل” رهانها الأخير على الخصوصية، إذ لا توجد تقنية ذكاء اصطناعي متاحة للجمهور قادرة على مقارعة “آبل” في الخصوصية، إذ تحتاج جميعًا لتنفيذ الأوامر ومشاركة البيانات مع خوادمها السحابية، ورغم أن الوقت مازال مبكرًا للحكم على جودة هذا النهج وإن كان قادرًا حقًا على حل التحديات المتعلقة بالخصوصية في تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن وجوده في حد ذاته مهم للغاية، إذ إنه يفتح الباب أمام الشركات للتطوير فيه، ويدفعهم للابتكار من ناحية الحفاظ على الخصوصية.
وتظل الإجابة الحقيقية حول جودة تقنيات “آبل” للذكاء الاصطناعي مختبئة خلف ستار موعد الإطلاق النهائي في أكتوبر/تشرين الأول القادم.