لبنان يلملم الجراح والمخاوف من المجهول
غداة الخرق في أجهزة البيجرز ومن ثم انفجار أجهزة الإيكوم اللاسلكية وبطاريات الطاقة الشمسية، ارتفع منسوب الكلام عن كون القراءات التقليدية للحروب لم تعد تنفع لتقدير ومعرفة ما الذي يجري على امتداد لبنان، حيث المشهد أبلغ من كل كلام، من الأمواج البشرية التي ودعت من قضوا، إلى تلك التي أحاطت المستشفيات وجرحاها بكثير من التضامن.
وغداة اليومين الحزينين في تاريخ لبنان، ثمة إجماع على أن قواعد الاشتباك على الجبهة الجنوبية اللبنانية دخلت مرحلة جديدة، من بوابة اليومين الدمويين اللذين عاشتهما مدن لبنان، بدءاً من الضاحية الجنوبية لبيروت مروراً بالجنوب ووصولاً إلى البقاع، مع ما يعنيه الأمر من كون الخرق الأمني الخطير هذا فتح الباب واسعاً أمام احتمال توسع رقعة الحرب أو التصعيد.
لا سيما أنه تزامن مع التهديدات الإسرائيلية المستمرة باللجوء إلى الخيار العسكري لإعادة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، بحيث أن الساعات والأيام المقبلة قد تشهد تطورات دراماتيكية على مستوى المواجهة بين إسرائيل وحزب الله.
ووفق إجماع مصادر سياسية، فإن مجزرتي البيجرز وأجهزة اللاسلكي تعدان فصلاً من فصول حرب الإبادة الجماعية، وتشكلان في الآن ذاته انتقالاً دراماتيكياً إلى مرحلة جديدة، الكلمة العليا فيها للميدان العسكري الذي تؤشر وقائعه وتطوراته المتسارعة إلى أنه بات يغلي باحتمالات مجهولة على شفا الاشتعال.
ويوازي ذلك في الداخل، حبس أنفاس على كل المستويات، فيما الإشارات التي تتوالى من الخارج تحمل التضامن مع لبنان والإدانة للمجزرة، والقلق من التلويح الإسرائيلي بالحرب الواسعة، وتؤكد على تغليب ضبط النفس وتجنب الانزلاق إلى حرب تشعل المنطقة بكل ساحاتها وجبهاتها.
تأزيم أوضاع
في السياق، أكدت مصادر سياسية مطلعة لـ «البيان»، أن ما حصل قد يساهم في دفع الأمور إلى التأزيم، وكل ذلك ينتظر صورة الرد والرد على الرد، وأشارت إلى أنه لم يعد بالإمكان الخوض في توقعات محددة، لا سيما فيما يخص إرساء التهدئة.
ووفق المصادر نفسها، فإن ما جرى، أشبه بخيال علمي فيه خرق استخباري وأمني رفيع، إن على المستوى التقني، أو على مستوى بشري لا يزال غير معروف، وذلك في عملية طالت جسم الحزب، عمودياً وأفقياً، فيما يبقى الأساس في توقيتها، بعد موجة من التهديدات المتزايدة والتصريحات حول الاستعداد لشن حرب على لبنان أو توسيع العمليات العسكرية.
أفق مفتوح
أما على المقلب المكمل لهذا الصورة، فكلام عن أن في شكل العملية ومضامينها هدفاً أساسياً، وهو تقطيع أواصر الاتصال داخل الحزب بين الكوادر والعناصر والقيادة، وذلك ربما يكون استباقاً لعمل عسكري ما. وبالتالي، لم يعد السؤال عن التصعيد أو الحرب أو توسيع العمليات، بل كل هذه أصبحت واقعة، بغض النظر عن المسميات والتوصيفات.
ذلك أن الأسلوب الذي اعتمدته إسرائيل، في عمليتها مكنها من تحويل لبنان إلى ساحة حرب لا ترى.. حرب من دون رصاصة واحدة، وخرق استخباراتي من الطراز الأول.
وما بين المشهدين، فإن ما تجتمع عليه القراءات المتعددة والمتناقضة هو أن أفق الحرب مفتوح، والمواجهات العسكرية مستمرة لفترة طويلة، وبالتأكيد لما بعد الانتخابات الأمريكية، مع توقع شبه أكيد بزيادة وتيرة العمليات العسكرية وتوسيعها، من دون الحاجة إلى إعلان حالة الحرب أو الدخول فيها.