التعليم الإسلامي والقيم الإنسانية في مؤتمر عالمي بماليزيا
شاه عالم- أعرب قادة مؤسسات تعليمية وتربوية عن ثقتهم باستعادة التعليم الإسلامي دوره في تعزيز القيم الإنسانية، وذلك بعد تجاوزه تحديات فرضتها أحداث وظواهر اجتماعية وسياسية في العقدين الأولين من هذا القرن.
وشارك أكثر من 300 شخصية من قادة هيئات ومؤسسات التعليم الإسلامي في المؤتمر الثالث للجمعية العالمية للمدارس الإسلامية، والذي عقد في مدينة “شاه عالم” الماليزية في الفترة من 30 سبتمبر/أيلول إلى 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وحمل المؤتمر شعار “إحياء التقاليد المتجذرة”، وبحسب البيان الختامي فقد وفر منصة لمفكرين وقادة تربويين يمثلون 28 دولة، واتفقوا على تعزيز التواصل والتشاور من أجل رفع مستوى المدارس الإسلامية الخاصة، وتعزيز دورها التربوي والحضاري في مختلف أنحاء العالم.
وتعود فكرة الجمعية العالمية للتعليم الإسلامي إلى مؤتمر عقد في مكة المكرمة عام 1977 دعا إلى تأسيس اتحاد عالمي للمدارس الإسلامية، لكنها لم تتحقق إلا في عام 2021، بحسب ما أكده للجزيرة نت فهد هارون نائب رئيس جمعية المدارس الإسلامية في دبلن بأيرلندا، والذي قال إن الجمعية أصبحت فاعلة بما يمكن إدارات التعليم من تبادل الخبرات والبحث عن حلول للمشاكل المشتركة.
من ناحيته، أكد ميغات محمد أمين محمد نور الأمين العام للمركز العالمي للتميز التعليمي في ماليزيا أن الجمعية حققت الكثير من أهدافها خلال 3 سنوات من تأسيسها، والتي تركز على التنسيق والتطوير والتدريب في مجال التربية والتعليم، ووضع خطط لذلك على المستويين القصير وبعيد المدى.
الطفل هو المحور
ما يجمع آلاف المدارس المنضوية تحت مظلة الجمعية، هو الرسالة والفلسفة القائمة على تنشئة الطفل بشكل صحيح، وهو ما يجمع عليه مسؤولو المدارس والهيئات التعليمية الذين شاركوا في مؤتمر “شاه عالم” بحسب ما أكده ميغات محمد أمين بقوله إن الهدف واحد، وهو بناء شخصية ربانية، وأضاف “قد نختلف في المصطلحات لكن الرسالة واحدة، وهي إنسان الإيمان والتقوى والأخلاق”.
ويوافقه الرأي ظفر أحمد رئيس الجمعية العالمية للمدارس الإسلامية الذي يعتبر الطفل محور العملية التربوية والتعليمية، والطفل هدف النظام البيئي التعليمي بكليته، بمن في ذلك المدير والمدرس والموظف والوالدان، والهدف هو تنشئة سليمة من جميع النواحي، الأكاديمية والصحية والعقلية والأخلاقية، وكل شخص له دور في هذه العملية.
تفوق وتميز
واعتبر ظفر أحمد رئيس الجمعية العالمية للمدارس الإسلامية أن المدارس الإسلامية الخاصة أثبتت جدارتها وتفوقها النوعي في كثير من دول العالم، مشيرا إلى تصنيف 5 مدارس إسلامية في جنوب أفريقيا على أنها الأفضل على مستوى البلاد.
وهذا برأي ظفر أحمد ضاعف الإقبال عليها من مسلمين وغيرهم، كما أشار إلى أن جمعية المدارس الإسلامية الأسترالية تضم 80 ألف تلميذ، وإلى عدد يصعب إحصاؤه من المدارس الإسلامية الخاصة في دول مثل باكستان وإندونيسيا، ويقدر عدد منتسبيها بالملايين.
من ناحيته، يرى وجاهت سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الفرقان في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية، أن نجاح كثير من المؤسسات التعليمية الإسلامية في الغرب تسبب في العجز عن تلبية الإقبال المتنامي عليها، وأظهر نقصا حادا في المؤسسات التعليمية، وذلك يرجع إلى جودة التعليم والحصانة اللتين تقدمهما هذه المدارس للأطفال ضد مما وصفه بالتلوث الأخلاقي والفكري والبنيوي.
وأضاف سعيد للجزيرة نت أن توفير البنية الأساسية للتعليم الإسلامي أصبح تحديا بحد ذاته، لا سيما في دول ذات غالبية غير مسلمة نظرا لما تقدمه من تحصين من البيئة المحيطة والثقافة التي تناقض الفطرة السليمة بنظر الأهالي.
تحديات وحلول
يكاد يجمع مسؤولو التعليم الخاص الذين شاركوا في المؤتمر على أن بيئة الطفل والمراهق أكبر تحد تواجهه العملية التربوية، لا سيما في ظل حملات الترويج في وسائل التواصل الاجتماعي للشذوذ أو ما يطلق عليه مصطلح المثلية، ومع عدم إمكانية فصل الأطفال عن مجتمعهم تزداد الحاجة إلى التحصين الذاتي.
ويرى وجاهت سعيد رئيس مؤسسة الفرقان في شيكاغو، أن الترويج للمثلية يبعث جرس إنذار للمؤسسات التعليمية والأسر المسلمة، لافتا إلى أن أحد الحلول لمواجهة المثلية هو “أن تضع ابنك في مدرسة إسلامية صحيحة، ففي المدارس الحكومية يمكنهم تقديم التعليم الذي يريدونه لكنهم لا دخل لهم بمدارسنا”.
ويقول ظفر أحمد، المدير التنفيذي للجمعية العالمية للمدارس الإسلامية، إن البيئة تحد كبير، فالأطفال على اتصال بمواقع التواصل الاجتماعي، ويتعرضون للإسلاموفوبيا، ويتسبب الهجوم على العقيدة والإيمان في التشكيك بالمعتقدات والمسلمات.
أما التحدي الثاني برأي عدد من الخبراء في التعليم فيكمن في الإدارة، خاصة نوعية المدرس والمدير والمشرف، نظرا لأن المدارس الإسلامية تبحث عن مدرس يجمع بين عدة صفات ليكون مربيا ومعلما، وتتبعه الإدارة التعليمية المتمثلة بالمدير والمشرف، وهما المنوط بهما بمتابع الإستراتيجية التعليمية.
ويحذر ظفر أحمد من تنامي تراجع نوعية الإدارات التعليمية الإسلامية، وعواقب خطيرة على هيكلية التعليم الإسلامي في حال عدم تأهيل أطقم تعليم تلبي المواصفات المطلوبة.
المستقبل
بغض النظر عن الوضع الحالي والمناهج والإدارات يرى كثير من قادة هيئات التعليم الإسلامي حاجة ماسة للتخطيط للبنية الأساسية للتعليم، سواء من حيث إقامة مؤسسات جديدة أو تطوير القائمة وتأهيل الطواقم التعليمية وتوفير التمويل المناسب لتلبية الاحتياجات المتنامية، بما في ذلك مواكبة التكنولوجيا.
ومع اختلاف المدارس الفكرية والخلفيات الثقافية يرى فهد هارون أن هناك حاجة لتوحيد مجموعة المفاهيم المتفق عليها، والعمل عليها، وقال إن المشاركين في المؤتمر متفقون على إيجاد رؤية عالمية متقدمة ومعتدلة للتعليم الإسلامي الخاص، تعتمد على 3 عناصر هي: القيادة، والإدارة، والدراسات والبحوث الإسلامية والدراسات الأكاديمية.
أما ميغات أمين فيضيف الحاجة إلى حوار مع الأنظمة التي تتدخل في التعليم الخاص، وتضع قيودا عليه، وقد توجهه خلافا للقيم التي تقوم عليها المدارس الإسلامية، بينما يقول ظفر أحمد إن كثيرا من الدول غير الإسلامية تبدي مرونة كبيرة في خصوصية المدارس الخاصة، لذلك لا نرى كثيرا من التدخل في شؤونها الداخلية.