Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

تداعيات فصل ضباط أتراك بعد حادثة أداء قسم الولاء لأتاتورك

أنقرة- في قلب صراع الهوية الذي لم تهدأ نيرانه أبدا داخل تركيا، فجّر قرار وزارة الدفاع بفصل 5 ضباط و3 من رؤسائهم المباشرين، عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة، وذلك على خلفية أدائهم قسم الولاء لمؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، في حفل تخريجهم من كلية الحرب البرية بجامعة الدفاع الوطني.

ففي بلد شهد تحولات كبرى بين إرث الكمالية وصعود التيار المحافظ، لم يكن هذا القرار مجرد إجراء إداري، بل جاء كحلقة جديدة في مسلسل التجاذبات السياسية المستمرة بين الحكومة والمعارضة التركية.

وازدادت حساسية هذه الأزمة لارتباطها بالجيش التركي، الذي اعتُبر لوقت طويل حارسا للقيم الكمالية والعلمانية، وخاض من أجل ذلك 3 انقلابات ناجحة في الأعوام 1960، و1971 و1980، كما أجبر رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان على الاستقالة، فيما عرف بانقلاب “ما بعد الحداثة” أو “بالانقلاب الأبيض” وقع عام 1997.

حفل التخريج في أغسطس/آب الماضي كان بحضور الرئيس التركي أردوغان (الأناضول)

ما القصة؟

في بيان رسمي لها، أعلنت وزارة الدفاع التركية، الجمعة، عن قرارها فصل الضباط الخمسة برتبة ملازم و3 آخرين من كبار الضباط من صفوف القوات المسلحة، وذلك على خلفية ما بات يعرف إعلاميا بـ”مظاهرة الضباط”، وشددت الوزارة على أن “القوات المسلحة التركية لن تتهاون مع أي تصرف أو واقعة تتعارض مع الانضباط العسكري”.

وكانت الأكاديمية العسكرية التابعة لجامعة الدفاع الوطني في أنقرة، شهدت في 30 أغسطس/آب الماضي واقعة غير مألوفة خلال حفل التخرج السنوي الذي حضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

فبعدما جرت المراسم الرسمية وفق البروتوكولات المعتادة، فاجأ نحو 400 ملازم الحضور بتنظيم حفل مواز عقب انتهاء القسم العسكري، حيث رفعوا سيوفهم في انسجام تام، مرددين بصوت واحد “نحن جنود مصطفى كمال.. نحن حراس العلمانية”، في مشهد أعاد إلى الأذهان الدور السياسي الذي لعبه الجيش التركي في العقود الماضية.

ولم يمرّ الحدث دون تداعيات، إذ أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية، وانقسمت الآراء بين من اعتبره تعبيرا مشروعا عن الولاء للجمهورية العلمانية، وبين من رآه خروجا عن الانضباط العسكري وإحياء لنفوذ الجيش في السياسة.

ومع تصاعد النقاش، أصدرت وزارة الدفاع بيانا في 5 سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت فيه فتح تحقيق شامل، مشددة على أن القضية لا تتعلق بالشعارات المرفوعة، وإنما بعدم الامتثال للأوامر العسكرية.

وبعد أسابيع من الجدل، أصدرت الوزارة قرارا بفصل 5 ملازمين و3 ضباط كبار، مؤكدة أن القوات المسلحة لن تتهاون مع أي خرق للانضباط.

وبعد 8 أيام من الحادثة، خرج الرئيس رجب طيب أردوغان ليحسم الجدل، متوعدا بمحاسبة المتورطين، ومؤكدا أنه سيحرص على أن “يتلقّى جميع المتورّطين في هذه القضية العقوبة التي يستحقُّونها”.

وتساءل أردوغان حينها “ظهرت مجموعة من الأشخاص المسيئين في حفل تخرج محدد وأشهرت السيوف، لكن السؤال هو: في وجه من كانت موجهة هذه السيوف؟”، مشيرا إلى أن السلطات تجري تحقيقات مكثفة مع مسؤولي الجامعة والقوات البرية.

التحقيقات

خلال جلسات التحقيق التي أجرتها الجهات المختصة، دافع الضباط المتخرجون عن تصرفاتهم خلال حفل التخرج، مؤكدين أنهم لم يخالفوا الأوامر العسكرية ولم يتعمدوا الإخلال بالانضباط.

وقالت الملازم إبرو إروغلو، التي قادت بأداء القسم، إنها طلبت رسميا تلاوة “قسم الضابط” خلال الحفل، لكن أُبلغت بأن اللوائح تغيّرت ولم يُسمح بذلك، مضيفة “امتثلنا للقرار ولم نحاول مخالفته”.

أما الملازم طالب عزت أكارسو، فأكد أنه اعتقد أن الصحافة ستتوقف عن التصوير بعد مغادرة الرئيس، مضيفًا “لم يكن هناك ما يستدعي الاهتمام الإعلامي”.

من جهته، قال الملازم باتوهان غازي كيليتش إنهم أدوا القسم بعد الحفل الرسمي، ولم تصدر أي أوامر تمنع ذلك، فيما شدد الملازم سرهات جوندار على أن مشاركته كانت ضمن التقليد العسكري المعتاد لاشتباك السيوف، دون نية لمخالفة الانضباط.

جدل سياسي

أثار قرار فصل الملازمين والضباط الكبار من الجيش التركي موجة انتقادات حادة من أحزاب المعارضة، التي اعتبرته استهدافا للعناصر الموالية لأتاتورك داخل المؤسسة العسكرية.

فمن جهة رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، وصف القرار بأنه “تعبير عن عقلية مناهضة لأتاتورك جلبت السياسة إلى الثكنات”، مشددا على أن “قول: نحن جنود مصطفى كمال، داخل الجيش الذي أسسه أتاتورك، ليس جريمة، بل الجريمة هي تطهير جيش أتاتورك من جنوده”.

وفي سياق التضامن، وقّع رئيس حزب الجيد مساوات درويش أوغلو، على نص القسم العسكري الذي تلاه الملازمون، ونشره عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.

بينما أكد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، دعمه للملازمين قائلا “نحن إلى جانب ضباطنا، ولن نتركهم وحدهم”، وفي خطوة مشابهة، نشر رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، منشورا مقتضبا قال فيه “نحن جنود مصطفى كمال”.

في المقابل، اعتبر محمد أوتشوم، مستشار الرئيس التركي ونائب رئيس مجلس السياسات القانونية الرئاسية، أن هناك “تحريفا متعمدا” في الانتقادات، موضحا أن القرار لم يكن بسبب الهتاف لـ”جنود مصطفى كمال”، بل بسبب عدم الانضباط الناتج عن رفض الامتثال للأوامر العسكرية، موضحا “لو كان ترديد الشعار هو سبب العقوبة، لكان قد تم فصل جميع الملازمين البالغ عددهم 400، وليس 5 فقط”.

أما رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، فعبّر عن ارتياحه للقرار، مؤكدا أنه “صحيح ودقيق”، ودعا إلى احترامه، محذرا من “محبي الانقلابات الذين يسعون لإثارة الفوضى في تركيا”.

حساسية مجتمعية

يرى الباحث الأكاديمي في جامعة أنقرة، جنك سراج أوغلو، أن الجدل الدائر حول فصل الضباط يتجاوز كونه مجرد قرار تأديبي أو خلاف سياسي، مشيرا إلى أنه يعكس التوتر المستمر في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والدولة.

ويؤكد سراج أوغلو، في حديث للجزيرة نت، أن الجيش التركي لديه قواعد صارمة فيما يتعلق بالانضباط والامتثال للأوامر، وأي تصرف خارج الإطار الرسمي قد يُعتبر إخلالا بالنظام العسكري، بغض النظر عن النوايا، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن حساسية المجتمع التركي تجاه رمزية أتاتورك ودور الجيش في حماية مبادئ الجمهورية تجعل مثل هذه القرارات مثار جدل واسع.

ويضيف أن التضامن الواسع مع إقالة الضباط يعكس قلقا مجتمعيا من تراجع تأثير الفكر الكمالي داخل مؤسسات الدولة، مشددا على أن القضية لا تتعلق فقط بفصل ضباط أو أداء قسَم معين، بل تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة وموروث الجمهورية، ومدى تأثير السياسة على المؤسسة العسكرية.

ويختم حديثه بالتأكيد على أن “الحفاظ على حيادية المؤسسة العسكرية أمر ضروري، وينبغي تجنب استغلال مثل هذه القضايا في تأجيج الاستقطاب السياسي داخل البلاد”، حسب قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى