فولوديمير زيلينسكي “بطل تراجيدي” بات يصارع بوتين وترامب

الكوميديا التي صارت واقعا
لا يمكن وصف طريق زيلينسكي إلى الرئاسة إلا بأنه فريد من نوعه، بدءا من نشأته في كنف الثقافة الشيوعية في جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، وصولا إلى نشاطاته المبكرة بعيدا عن السياسة مركزا على النجاح في عالم التمثيل والترفيه.
وبعد ولادته لأبوين يهوديين في مدينة “كريفي ريه” (Kryvyi Rih) -حيث توجد جالية يهودية كبيرة شرقي أوكرانيا- في 25 يناير/كانون الثاني 1978، انتقل زيلينسكي وعائلته إلى إردينيت (Erdenet) في منغوليا، حيث أمضى السنوات الأربع الأولى من حياته، قبل أن يقرر والداه العودة إلى مسقط رأسه.
وكانت المدينة الصناعية الصاخبة الناطقة بالروسية مكانا صعبا بالنسبة لزيلينسكي، حيث نشأ هناك على النظام التعليمي السوفياتي شديد الصرامة، وكان عليه وبقية الطلاب تمثل القيم الشيوعية، والانخراط في منظمات عقائدية مثل “أطفال أكتوبر” (Oktiabriata) و”الشبيبة الشيوعية”.
وعلى الرغم من قامته القصيرة، كان زيلينسكي طفلا حيويا ومنفتحا وجذابا أثناء نشأته -كما يقول أصدقاؤه- ولم يتمثل القيم الشيوعية، وكان أميل إلى الثقافة الغربية التي دفعته إلى عوالم المسرح والفن أكثر من السياسة، وعندما كان في سن 13 من عمره سقط الاتحاد السوفياتي برمته، وانهارت معه كتلة ومنظومة عقائدية وقيم وأحلاف.
وخلال تلك التحولات الكبرى، انتهى الأمر بزيلينسكي مكرها بضغط والده الأستاذ الجامعي إلى الذهاب إلى معهد اقتصادي حيث نال درجة علمية في القانون عام 2000، لكنه كان يدرك أنه ليس خياره، ولم ينتهِ به الأمر أبدا للعمل في مجال المحاماة، بل في مجال المسرح والكوميديا بالجامعة وخارجها، مؤسسا لفرق مسرحية ومديرا لشركة إنتاج.

ولعب دوره في مسلسل “خادم الشعب” دورا محوريا في شهرته وحياته السياسية لاحقا، فهو مدرس التاريخ في مدرسة ثانوية الذي يصبح عن غير قصد رئيسا لأوكرانيا بعد انتشار حملته ضد الفساد على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت أوكرانيا عمليا تعيش معضلة الفساد.
وفي النهاية، أصبحت الحبكة واقعية تماما، فقد ترشح زيلينسكي للانتخابات الرئاسية عام 2019، وهو غريب عن الساحة السياسية ومعروف في المقام الأول كممثل كوميدي طوال حياته المهنية، ولكن تمكن من هزيمة الرئيس بيترو بوروشينكو وحصل على 73.2% من الأصوات بالانتخابات البرلمانية.
وبات مسلسل “خادم الشعب” الذي أطلق شهرته عنوانا للحزب السياسي الذي شكله زيلينسكي وربح به الانتخابات، رغم أنه كان حزبا افتراضيا دون مقرات أو منتسبين أو مكاتب أو موظفين.
ويؤكد تقرير موسع لصحيفة لوموند الفرنسية بعنوان “حيوات زيلينسكي الخمس” أنه خاض المنافسة من غير برنامج انتخابي ومن غير مؤتمرات أو ندوات أو لقاءات صحفية، مركّزا على وسائل التواصل الاجتماعي مثل حسابه على “إنستغرام” الذي يتابعه 4.5 ملايين شخص وعلى الظهور التلفزيوني على قناة “1+1” المحلية.