أسباب رفض إيران لممر زنغزور بين أذربيجان وأرمينيا

مراسلو الجزيرة نت
16/8/2025–|آخر تحديث: 21:14 (توقيت مكة)
طهران- يشكل ممر زنغزور طريقا بريا إستراتيجيا يربط أذربيجان بإقليم نخجوان الذي يتمتع بحكم ذاتي ضمن دولة أذربيجان، ويمر عبر إقليم زنغزور الجنوبي في أرمينيا.
ويهدف تطوير الممر إلى تسهيل حركة البضائع وربط تركيا بباكو وآسيا الوسطى، ما يجعله مشروعا ذا أبعاد اقتصادية وجيوسياسية وأمنية عميقة وتمس تأثيراته كل قوى المنطقة.
ويأتي هذا المشروع في أعقاب حرب قره باغ الثانية، حيث سعت أذربيجان وتركيا إلى تعزيز الروابط البرية بين أنقرة وآسيا الوسطى مرورا بأراضي باكو، وهو ما يثير مخاوف إيران من تغير موازين القوى على حدودها الشمالية الغربية.
وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية على أن طهران “لا تقبل إغلاق الحدود مع أرمينيا تحت أي ظرف”، فيما أضاف أمين المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية أن إيران “لن تتساهل مع قضية ممر زنغزور”.
مخاوف متزايدة
تزايدت مخاوف طهران بعد تدخل الولايات المتحدة في ملف القوقاز، واستضافة الرئيس دونالد ترامب قمة بين أرمينيا وأذربيجان أسفرت عن اتفاق سلام شامل، تضمن تطوير ممر زنغزور بإشراف أميركي ومنح حقوق حصرية للشركات الأميركية لمدة 99 عاما.
وترى إيران في هذا التطور تهديدا مباشرا لموقعها الإستراتيجي، إذ يقلل من أهميتها في طرق النقل بين الشرق والغرب، ويعزز نفوذ القوى الغربية والإسرائيلية والتركية في المنطقة، كما يقطع الاتصال البري المباشر مع أرمينيا، وهو المنفذ التاريخي لها نحو شمال القوقاز وأوروبا.
كما يُنظر إلى الممر كأداة محتملة للضغط على الداخل الإيراني، “خصوصا مع تزايد التواصل بين بعض التيارات القومية التركية والأذريين داخل طهران، ما قد يشكل تهديدا للأمن القومي”.
كما أنه قد يقلل من دورها في المبادرات الاقتصادية الكبرى مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويضعف قدرتها على التحكم بمسارات التجارة العالمية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية شعيب بهمن أن ممر زنغزور لا يمكن النظر إليه بوصفه مسألة ثنائية بين أذربيجان وأرمينيا فقط، بل هو مشروع ذو أبعاد إقليمية عميقة، وله انعكاسات مباشرة على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
أسباب
وأوضح بهمن للجزيرة نت أن طهران ترفض الممر لأسباب متعددة تشمل:
- الأول: يحقق الممر عمليا فكرة “تركستان الكبرى”، إذ يربط تركيا بالدول الناطقة بالتركية برا، وهي فكرة قديمة طالما سعت أنقرة لتحقيقها، مما قد يشكل أداة ضغط على إيران.
- الثاني: سيتيح الممر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) منفذا بريا إلى بحر قزوين، وهو ما قد يمهّد لتوسيع حضوره العسكري في القوقاز، وربط أوروبا بآسيا الوسطى عبر جسر بري- بحري، مما يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الإيراني و”لا يمكن قبوله”.
- الثالث: سيؤدي الممر إلى قطع الحدود البرية بين طهران وأرمينيا، وهو منفذ إستراتيجي ظل لقرون شريانا حيويا لوصول إيران إلى البحر الأسود وأوروبا. وإغلاقه يعني “اختناقا جيوسياسيا” لها وخسارة واحدة من أهم طرقها البرية نحو الغرب.
- الرابع: سيغيّر الممر توازن القوى في القوقاز لصالح باكو، وهو أمر يتعارض مع السياسة الإيرانية القائمة على منع تفوق طرف واحد. وأشار الأستاذ بهمن إلى أن سلوك أذربيجان في السنوات الأخيرة أظهر نزعة إلى التصعيد أكثر من الميل إلى التهدئة وضبط النفس.
- الخامس: يتعلق بتعزيز الحضور الإسرائيلي في القوقاز، إذ تستورد تل أبيب أكثر من 40% من نفطها من أذربيجان وتزودها بنحو 80% من أسلحتها. والأهم من ذلك أن الأراضي الأذربيجانية استُخدمت في السنوات الماضية لتنفيذ عمليات إسرائيلية ضد إيران، بما في ذلك اغتيال علماء نوويين وتسيير طائرات مسيّرة تجسسية وتخريبية وصلت إلى منشآت حساسة داخل البلاد. كما أن الطائرات الإسرائيلية استخدمت المجال الجوي للممر خلال الحرب الأخيرة في هجماتها على طهران.
- السادس: يتمثل في الأثر السلبي للممر على المزايا الجيوسياسية لطهران في الربط بين الشرق والغرب، إذ إن المبادرة الصينية “الحزام والطريق” كانت تعتمد سابقا على مسارين رئيسيين: الشمالي عبر روسيا والجنوبي عبر إيران؛ لكن بروز هذا الممر قد يقلص من أهمية طهران الإستراتيجية ويدفع الغرب باتجاه تهميش دورها في طرق التجارة العالمية.
تداعيات واسعة
وأكد الأستاذ بهمن أن ممر زنغزور لا يعود على طهران بأي منفعة تذكر، بل يفرغ المنطقة من طاقاتها الجيوسياسية لصالح الناتو وإسرائيل وتركيا، وهو ما تعتبره طهران تهديدا مباشرا لمصالحها. كما أكد أن تسمية “زنغزور” نفسها من وجهة نظر إيران هي “مجرد اصطلاح مصطنع تسعى باكو وأنقرة من خلاله إلى تمرير أجنداتهما السياسية”.
من جهته، قال أستاذ الدراسات الإيرانية علم صالح إن الممر لا يُنظر إليه في طهران كمجرد مشروع ترانزيت، بل باعتباره خطوة تحمل تداعيات جيوسياسية واسعة، لأنه من المقرر أن يربط إقليم نخجوان بأراضي أذربيجان الرئيسية، مما يعني عمليا إقامة اتصال بري مباشر بين تركيا وأذربيجان ومن ثم بآسيا الوسطى.
وأضاف للجزيرة نت أن إيران ترى فيه تهديدا مباشرا لموقعها الجيوسياسي؛ إذ يمكن أن يؤدي تنفيذه إلى تقليص دورها في نقل السلع والطاقة بين الشرق والغرب عبر إيجاد مسار بديل لا يمر بأراضيها؛ كما أن خضوعه لإشراف خارجي قد يقطع الصلة البرية المباشرة بينها وبين أرمينيا، وهو ما تعتبره طهران مسألة بالغة الحساسية، لأن أرمينيا تمثل منفذها البري الوحيد إلى شمال القوقاز وأوروبا.
وما يزيد من قلق إيران -برأيه- هو التقارب الإستراتيجي بين أذربيجان وإسرائيل، فضلا عن الدور النشط لتركيا في مشروع زنغزور، الأمر الذي يعمّق مخاوفها من تغير موازين القوى على حدودها الشمالية الغربية.
كما أشار صالح إلى أن الدور الأميركي يمثل بُعدا إضافيا مهما، بعد موافقة أرمينيا على منح حقوق حصرية للتنمية في الأراضي المرتبطة بالممر لواشنطن لمدة 99 عاما، وهو ما تعتبره إيران خطوة تهدف إلى تثبيت وجود أميركي طويل الأمد في المنطقة، وتقليص نفوذها في معادلات القوقاز، فضلا عن تشكيل حاجز إستراتيجي أمام وصولها الإقليمي.
وخلص إلى أن معارضة طهران للممر ليست مجرد رفض لمشروع نقل، بل هي تعبير عن سعيها للحفاظ على موقعها الجيوسياسي، ومنع أي تغييرات على الحدود، والتصدي لمحاولات ترسيخ نفوذ الولايات المتحدة و”تركيا” وحلفائهما في جنوبي القوقاز.