6 أسباب تفسر عدم ترك العلامات المستهدفة بالمقاطعة بلداننا

أثبتت المقاطعة أنها أداة فعالة في مواجهة إسرائيل، على مدار الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت أكثر فاعلية، حينما كانت وفق قرار صادر من جامعة الدول العربية، إلا أن هذه الفاعلية انتهت بعد دخول بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية في عملية السلام مع إسرائيل.
وغير مرة نجحت المقاطعة من قبل المجتمع المدني، في عقاب الشركات التي تدعم إسرائيل، فبعد انتفاضة الأقصى عام 2000، أجبرت المقاطعة الشعبية في مصر، سلسلة متاجر “سنسبري” على مغادرة السوق المصري.
وشهدت إيطاليا مؤخرًا، خروجا لسلسلة متاجر “كارفور” من السوق بعد نجاح تفعيل المقاطعة الشعبية، ردًا على الممارسات الإسرائيلية في غزة.
وعلى الرغم من نشر العديد من الشركات الداعمة لإسرائيل، لبيانات تفيد تحقيقها خسائر، بسبب استمرار المقاطعة الشعبية لمنتجاتها، فإن الملاحظ أن هناك علامات تجارية لا تزال تتمسك بوجودها في الأسواق العربية والإسلامية، ولم تغلق أو ترحل.
فما الأسباب وراء إصرار هذه العلامات التجارية في التمسك بالبقاء في أسواق الدول العربية والإسلامية، على الرغم من تفعيل المقاطعة الشعبية، واستمرار الخسائر لتلك الشركات؟
1- الإشكال القانوني
بعض العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، تتواجد في البلدان العربية والإسلامية، من خلال آلية “الفرنشايز” وهي حق الانتفاع بالاسم التجاري أو ما يسمى بعقود الامتياز، مقابل دفع نسبة من المبيعات أو مبالغ سنوية للشركة الأم.
في حين أن العلامات التجارية التي تواجدت بنفسها في الأسواق العربية والإسلامية، من خلال فروع، اتجه بعضها لتصفية أعماله، أو الإغلاق المؤقت، وبخاصة في حالة تحقيق خسائر لا تستطيع الشركات الأم تحملها.
وتمثل الصفة القانونية لكون العلامة التجارية متواجدة من خلال “الفرنشايز” في توظيف إشكالية تُحدث حالة من اللبس لدى المستهلكين المحليين، والتعلل بأن هذه الشركات وطنية، وأنها تقوم بتوظيف أبناء البلد وغير ذلك.
2- المراهنة على انتهاء الحرب
كانت الشرارة الأكثر تأثيرًا في مسيرة المقاطعة الشعبية، تجاه العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000، إلا أن المسارات التفاوضية والسياسية التي أدت إلى تهدئة في العلاقة بين المقاومة وإسرائيل في مرات عدة، كانت سببًا في ربط مشروع المقاطعة بفترات الحرب والمواجهة.
وقد أدى هذا الأمر إلى أن تراهن العلامات التجارية الداعمة للكيان الصهيوني، على عامل الزمن، بكون ذاكرة المستهلك تتزاحم عليها أمور كثيرة، وأن الصورة الذهنية للقتل والهدم أثناء الحرب، تزول بعد توقف الحرب، وقد يساعد هذا على نسيان أمر المقاطعة، وبخاصة لأولئك الذين يمارسون المقاطعة في أجواء معينة، والتي تبعد عن الجانب الأيديولوجي.
3- “الدعاية تكسر المقاطعة”
عادة ما تراهن العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، على تبني حملات إعلانية، تمثل حالة من الإلحاح على أذهان المستهلكين، ويتم استخدام الفنانين والرياضيين، والمؤثرين في إعلانات للترويج لسلع هذه العلامات، مما يساعد على صرف أنظار المستهلكين عن السلع والتركيز على مروجي الإعلانات باعتبارهم يمثلون قدوة للمستهلكين، خاصة أن إدارات الدعاية بالعلامات التجارية المقصودة بالمقاطعة، تدفع مبالغ كبيرة لمن يقبلون الظهور في إعلاناتها وحملاتها الترويجية من رياضيين أو فنانيين.
4- الوجاهة الاجتماعية
جزء لا يستهان به في دولنا، فيما يخص الاستهلاك، يعتمد على ما يسمى بـ”الاستهلاك الريائي” أي الحصول على السلع والخدمات من أجل الوجاهة الاجتماعية، وحيث إن كثيرا من العلامات التجارية الداعمة تنتمي للثقافة الغربية، ويظن مستهلكو سلع وخدمات هذه العلامات، بأن شراءهم لمنتجاتها يجعلهم يصنفون على أنهم من مستويات اجتماعية لها اعتبارها في مجتمعاتنا.
فكون المستهلك يتناول أطعمة معينة أو مشروبات معينة، أو يرتاد أماكن معينة، فهذا يعني أنه من مستوى اجتماعي محل اعتبار بين أقرانه، باعتباره ينتمي لثقافة بلدان هذه العلامات الداعمة للكيان الصهيوني، والمعلوم أن غالبية العلامات التجارية المقصودة بالمقاطعة، تنتمي لدول غربية أو أميركا.
5- غياب البديل المحلي
هناك سلع كثيرة غير أساسية، في حياة الشعوب العربية والإسلامية، ولكنها تتبع العلامات التجارية المقصودة بالمقاطعة، ولم يتم إنتاجها من قبل مستثمرين محليين، على الرغم من خوض تجارب المقاطعة غير مرة.
وغياب البديل المحلي، أو ضعف أدائه لتلبية احتياجات السوق، يسمح لشركات العلامات الداعمة للمقاطعة بالمراهنة على احتياجات السوق، كما أن ثمة فجوة تسمح لهم بالتواجد، وتحقيق أرباح، خاصة في ظل اقتصاديات مستمرة في الاعتماد على الخارج، وتزيد معدلات استهلاكها باستمرار.
ويغري العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، بالبقاء في الأسواق العربية والإسلامية، رغم استمرار المقاطعة، كون هذه البلدان لديها سوق كبير، ولديهم أيضًا معدلات استهلاك عالية، فالدول العربية يصل عدد سكانها نحو 450 مليون نسمة، كما يصل عدد المسلمين على مستوى العالم نحو ملياري مسلم.
وهناك سلع ضرورية، لم يسع مجتمع الأعمال في العالم العربي والإسلامي للاستثمار فيها والعمل على تعويض البديل للعلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، خاصة في قطاع الدواء والرعاية الطبية.
6- تحمل الخسائر كنوع من الدعم
بعض العلامات التجارة الداعمة لإسرائيل، تقبل بتحقيق الخسائر بنسب معينة، لبعض فروعها المتواجدة في الأسواق العربية والإسلامية، من خلال أمرين:
- الأول أن لها فروعًا في أماكن أخرى لا توجد بها حملات المقاطعة، لذلك فالأرباح المتحققة من هذه الفروع، يمكنها تعويض خسائر الفروع الموجودة بالدول العربية والإسلامية.
وبالتالي، ترى أن الخروج من الأسواق العربية والإسلامية غير مناسب، طالما أن الخسائر متحملة، وأنها لم تصب رأس المال، بل مجرد تراجع في الأرباح.
- الأمر الثاني، أن ملاك هذه العلامات الداعمة لإسرائيل، يعتبرون الانسحاب من الأسواق يمثل هزيمة أمام حملات المقاطعة، يجب ألا يظهروها الآن، خاصة في ظل استمرار الحرب، لذلك يتجهون للاستمرار في تحمل الخسائر.
ومن المهم أن نشير في ختام هذه السطور، إلى المسلّمة المعروفة للجميع، من أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وكما أن الحرب في الميدان تشمل المواجهة العسكرية، فإن المعركة في ميدان السياسة تشمل حسن التدبير وفنون التفاوض.
وكذلك فإن العمل في المجال الاقتصادي يظل قائمًا ولا يغيب عن المساهمة في مجالات الحرب المختلفة، ومن بينها معركة المقاطعة، تلك الأداة القوية المتاحة في يد المجتمع المدني.