وول ستريت جورنال: متى يختار الذكاء الاصطناعي الرؤساء والمسؤولين؟

يشهد المشهد السياسي تحولاً جذرياً في أدوات التأثير والتواصل، حيث بدأت المنصات الرقمية، وعلى رأسها تطبيق تيك توك، تلعب دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام والتأثير على سلوك الناخبين. هذا التحول يجعل الحملات الانتخابية تواجه تحديات وفرصاً جديدة، تتطلب فهماً عميقاً لطبيعة هذه المنصات واستراتيجيات التعامل معها. لم تعد القنوات التقليدية، كالصحف والتلفزيون، قادرة على الوصول إلى الجمهور بنفس الفعالية التي كانت عليها في الماضي.
ويستند هذا التحول إلى التغيرات الديموغرافية في استهلاك الأخبار والمعلومات، حيث يتزايد اعتماد الشباب على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار، مما يضع هذه المنصات في قلب الصراع الانتخابي. وقد تجلى ذلك في انتخابات حديثة، مثل انتخابات بلدية نيويورك، حيث ساهم تيك توك بشكل كبير في صعود مرشحين جدد وحشد الدعم الشعبي لهم.
تطور أدوات التأثير في الحملات الانتخابية
لم يكن هذا التحول مفاجئاً، بل هو تتويج لتطور طويل في أدوات التأثير في الحملات الانتخابية. فمن جولات الرئيس فرانكلين روزفلت بالقطار في ثلاثينيات القرن الماضي للتواصل المباشر مع الناخبين، إلى المناظرات التلفزيونية الشهيرة بين نيكسون وكينيدي في عام 1960 التي غيرت قواعد اللعبة، وصولاً إلى الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي في حملتي باراك أوباما عام 2012 ودونالد ترامب عام 2016، نرى تطوراً مستمراً في استراتيجيات التواصل السياسي.
ومع ظهور مقاطع الفيديو القصيرة والجمل الخاطفة التي تنتشر عبر يوتيوب وتيك توك، أصبح التأثير على الرأي العام أسرع وأكثر انتشاراً. هذه المنصات تسمح للحملات الانتخابية بالوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور بتكلفة منخفضة نسبياً، مما يجعلها أدوات جذابة بشكل خاص للمرشحين الجدد والمستقلين.
التحديات والفرص
على الرغم من الفوائد المذكورة، فإن الاعتماد على المنصات الرقمية يطرح أيضاً تحديات كبيرة. من بين هذه التحديات انتشار الأخبار المضللة والمعلومات الكاذبة، وصعوبة التحقق من مصادر المعلومات، وظهور ما يعرف بـ “غرف الصدى” التي تعزز التحيزات السياسية وتعيق الحوار البناء.
ومع ذلك، فإن هذه التحديات لا تقلل من أهمية المنصات الرقمية كأداة أساسية في الحملات الانتخابية. فالحملات الانتخابية لا تزال تستخدم الوسائل التقليدية، مثل اللقاءات الميدانية والإعلانات التلفزيونية والإذاعية، ولكنها باتت تعتمد بشكل متزايد على المنصات الجديدة للوصول إلى جمهور أوسع والتفاعل معه بشكل مباشر.
ففي ولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال، لم يكتف الحاكم جافن نيوسوم بالترويج لمقترحه بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية عبر التلفزيون، بل قام أيضاً بالتعاون مع كتاب التطبيقات الإعلامية الجديدة ومشاهير يوتيوب وتيك توك، مما ساهم بشكل كبير في نجاح مقترحه بنسبة 64%.
الإعلام الشخصي وتأثيره على الانتخابات
ويرى الخبراء أن التطور القادم في هذا المجال هو نحو ما يسمى “الإعلام الشخصي”، حيث يتم تقديم المحتوى الإخباري والمعلوماتي لكل فرد بشكل مخصص وفقاً لاهتماماته وتفضيلاته. خدمات مثل “شات جي بي تي بلس” يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال، من خلال تقديم محتوى يومي مصمم خصيصاً لكل مستخدم، بالاستناد إلى بياناته الشخصية وسجل تصفحه.
هذا التوجه يثير مخاوف بشأن إمكانية التلاعب بالرأي العام والتأثير على خيارات الناخبين بشكل غير أخلاقي. فإذا تمكنت الحملات السياسية من الوصول إلى الناخبين برسائل موجهة بدقة غير مسبوقة، فقد يصبح من الصعب على الناخبين اتخاذ قرارات مستنيرة وموضوعية.
كما أن دقة المعلومات التي تقدمها أنظمة الذكاء الاصطناعي تطرح تحدياً آخر. تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من إجابات هذه الأنظمة تحتوي على أخطاء كبيرة، مما قد يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة وتضليل الناخبين.
في الختام، يمكن القول إن الحملات الانتخابية ستشهد في المستقبل القريب مزيداً من الاعتماد على المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي، مما يتطلب من الناخبين توخي الحذر والانتباه والتحقق من مصادر المعلومات قبل اتخاذ أي قرارات. ومن المتوقع أن تتزايد أهمية الإعلام الشخصي في تشكيل الرأي العام، مما يضع ضغوطاً إضافية على الجهات الرقابية لضمان نزاهة الانتخابات وحماية حقوق الناخبين.





