فقاعة الذكاء الاصطناعي.. مخاوف تتجدد واستثمارات تتضخم

حذّر ساندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت المالكة لـ الذكاء الاصطناعي، من أن النمو السريع للاستثمار في هذا المجال، على الرغم من كونه “لحظة استثنائية”، يحمل في طياته “عناصر غير منطقية”. وأكد بيتشاي في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن أي انهيار محتمل لهذه “الفقاعة” سيؤثر على جميع الشركات، بما في ذلك ألفابت نفسها.
جاءت هذه التحذيرات في وقت تزايدت فيه المخاوف في وادي السيليكون بشأن تشكل فقاعة استثمارية جديدة، حيث ارتفعت تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، مع إنفاق ضخم على البنية التحتية والمشاريع التي لا تزال في مراحلها الأولى. هذه الزيادة في الاستثمار تثير تساؤلات حول مدى استدامتها، وما إذا كانت التقييمات تعكس قيمة حقيقية أم مجرد تفاؤل مفرط.
ارتفاعات قياسية في تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي
شهدت أسهم ألفابت، على سبيل المثال، تضاعف قيمتها خلال سبعة أشهر لتصل إلى 3.5 تريليون دولار. كما سجلت شركة إنفيديا تقييمًا بلغ 5 تريليونات دولار، وهو رقم غير مسبوق على مستوى العالم. وتشير هذه الأرقام إلى حجم الأموال المتدفقة إلى قطاع الذكاء الاصطناعي، والتقييمات الطموحة التي تضعها الشركات الناشئة والقائمة.
وتظهر بيانات أخرى أن هناك شبكة معقدة من الصفقات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بقيمة 1.4 تريليون دولار مرتبطة بشركة “أوبن إيه آي”. ومع ذلك، فإن إيرادات الشركة المتوقعة لهذا العام تمثل أقل من واحد بالمائة من حجم الاستثمارات التي تلقتها. وهذا التباين يثير المزيد من الشكوك حول الأساس المنطقي لبعض هذه التقييمات.
مقارنات بفقاعة الإنترنت
يرى عدد من المحللين أن الوضع الحالي يذكر بفقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات، والتي شهدت انهيار أسعار أسهم الشركات الناشئة، وخسارة المستثمرين مبالغ طائلة. وتشابهت الظروف إلى حد كبير، حيث كان هناك حماس كبير تجاه التكنولوجيا الجديدة، وتقييمات مبالغ فيها، وتدفق هائل لرأس المال.
في المقابل، يرى بيتشاي أن الذكاء الاصطناعي يختلف عن الإنترنت، وأنه سيترك أثرًا أعمق على المجتمع والاقتصاد. وأشار إلى أن الإنترنت شهد استثمارًا زائدًا أيضًا، لكن لا أحد يشكك اليوم في تأثيره العميق. ويتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي مزيجًا من العقلانية وعدمها.
تأثير الذكاء الاصطناعي على استهلاك الطاقة
بالإضافة إلى المخاوف بشأن التقييمات المبالغ فيها، حذر بيتشاي من أن الذكاء الاصطناعي يستهلك كميات هائلة من الطاقة. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، بلغ استهلاك الذكاء الاصطناعي 1.5% من إجمالي الكهرباء العالمية في العام الماضي. هذا الاستهلاك المتزايد يشكل تحديًا كبيرًا لجهود مكافحة تغير المناخ، ويتطلب تطوير حلول مستدامة لإنتاج الطاقة.
وأقر بيتشاي بأن توسع نشاط الذكاء الاصطناعي لدى ألفابت أدى إلى “تباطؤ” التقدم نحو تحقيق أهدافها المناخية. ومع ذلك، أكد أن الشركة لا تزال ملتزمة بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2030، من خلال الاستثمار في تقنيات الطاقة الجديدة. ولكنه أضاف أن الوتيرة المتوقعة لتحقيق هذا الهدف قد تتأثر.
الذكاء الاصطناعي وسوق العمل
يصف بيتشاي الذكاء الاصطناعي بأنه “أعمق تقنية عملت عليها البشرية”، ويؤكد أنه سيحدث “اضطرابات مجتمعية” كبيرة. ومع ذلك، يرى أيضًا أن الذكاء الاصطناعي سيخلق فرصًا جديدة، وسيمكّن الناس من أداء وظائفهم بشكل أفضل.
وشدد على أهمية التكيف مع التغيرات التي ستحدثها هذه التكنولوجيا. وأوضح أن من يتعلم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي سيكون أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل. وأشار إلى أن المهن الأساسية مثل التدريس والطب ستستمر في الوجود، لكن النجاح فيها سيعتمد على إتقان استخدام هذه التقنيات.
من المتوقع أن يستمر الجدل حول الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية. ويركز الخبراء حاليًا على مراقبة التطورات في استهلاك الطاقة، والتقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتأثيرها على سوق العمل. الخطوة التالية هي تقييم مدى قدرة الشركات على تحقيق إيرادات كافية لتبرير التقييمات الحالية، وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى تدخل تنظيمي لمنع تشكل فقاعة استثمارية.





