بلومبيرغ: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ الاقتصاد الأميركي

أكد خبير اقتصادي أمريكي بارز أن الطفرة الاستثمارية في الذكاء الاصطناعي تعزز حاليًا سوق الأسهم والاقتصاد الأمريكي، لكنه يرى أن تأثيره بعيد المدى قد يكون محدودًا، وأنه لن يحل المشاكل المالية الهيكلية التي تواجه البلاد. جاء ذلك في مقالة رأي نشرها بيل دادلي، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، في وكالة بلومبرغ للأنباء. وتشير التقديرات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي يشهد نموًا سريعًا، مع توقعات باستثمارات ضخمة في السنوات القادمة.
ويركز دادلي في تحليله على ثلاثة أسئلة رئيسية لتقييم الأثر المستقبلي للتقنية: مدى تأثيرها على الإنتاجية والنمو، تأثيرها على سوق العمل والبطالة، وانعكاسها على أسعار الفائدة. ويتطلب فهم هذه العوامل تحليلًا معمقًا للتحولات التكنولوجية والاقتصادية المتوقعة.
إنتاجية الذكاء الاصطناعي: توقعات غير مؤكدة
لا يزال هناك جدل حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية. يشير دادلي إلى أن التكنولوجيات الكبرى عادةً ما تستغرق وقتًا طويلاً لإعادة تشكيل الاقتصاد، مستشهدًا بتحولات الكهرباء التي امتدت لعقود. كما يستحضر مقولة الاقتصادي روبرت سولو في ثمانينيات القرن الماضي، بأن الحوسبة كانت موجودة في كل مكان باستثناء إحصاءات الإنتاجية.
وتتفاوت تقديرات الخبراء بشكل كبير. فبينما يرى الحائز على جائزة نوبل دارون أسموغلو أن زيادة الإنتاجية لن تتجاوز 1% خلال العقد القادم، يقدر اقتصاديون في بنك جولدمان ساكس زيادة بنسبة 15% عند الاعتماد الكامل للتقنية في الإنتاج. الأرجح أن الزيادة ستكون “متواضعة في البداية ثم تتسارع تدريجيًا” مع انتشار التطبيق الفعلي في العمليات الداخلية للشركات قبل الخارجية منها.
ويرتبط هذا الجدل بتحديات دمج التقنيات الجديدة في العمليات القائمة، وكذلك بتطوير المهارات اللازمة لاستخدامها بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن سرعة التطور التكنولوجي تجعل من الصعب التنبؤ بدقة بالتأثيرات المستقبلية.
الذكاء الاصطناعي وسوق العمل: هل هو استبدال أم تعزيز؟
السؤال المحوري في سوق العمل يتعلق بما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى استبدال العمال أم إلى تعزيز قدراتهم. يعطي دادلي مثال البرمجة، حيث تُسرع الأدوات الذكية عملية كتابة الشيفرة وتقلل من عدد المبرمجين المطلوبين، لكنها في الوقت نفسه تزيد الطلب على البرمجيات بفضل انخفاض تكلفة التطوير. وهذا التوازن بين الاستبدال والتعزيز هو ما سيرسم ملامح سوق العمل في المستقبل.
ويحذر المقال من أن البطالة قد ترتفع إذا تسببت التحولات السريعة في فقدان عدد كبير من الوظائف خلال فترة قصيرة، مما يخلق فترة انتقالية صعبة للعمال الباحثين عن مهارات جديدة. هذا بدوره قد يرفع معدل البطالة المتوافق مع استقرار الأسعار.
تأثيرات ثانوية على قطاعات اقتصادية أخرى
بالإضافة إلى تأثيره المباشر على الوظائف، من المتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على قطاعات اقتصادية أخرى. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي إلى تغييرات في أنماط الاستهلاك، وزيادة الطلب على خدمات معينة، وظهور صناعات جديدة. يتطلب فهم هذه التأثيرات الثانوية منظورًا شاملاً للاقتصاد ككل.
الذكاء الاصطناعي وأسعار الفائدة: علاقة معقدة
يرى دادلي أن تأثير الذكاء الاصطناعي على أسعار الفائدة “أكثر مباشرة”. فالابتكار يرفع العائد المتوقع على الاستثمار، وفي الوقت نفسه يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية للطاقة والحوسبة، مما يزيد الطلب على رأس المال ويرفع أسعار الفائدة الحقيقية. ويذكر المقال مثال طفرة الإنترنت في التسعينيات، عندما ارتفعت الفائدة الحقيقية بسبب بناء الشبكات الوطنية للألياف الضوئية.
ويتوقع دادلي أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي “مقدما زمنيا” بسبب سرعة التوسع والحجم الهائل المطلوب للبنية التحتية. ويتطلب ذلك تخطيطًا دقيقًا لضمان استقرار الأسواق المالية.
معضلة مالية لا يحلها الذكاء الاصطناعي
يختتم دادلي مقاله بالتحذير من أن الأثر المركب للذكاء الاصطناعي “لن يكون قادرًا على إصلاح المسار المالي غير المستدام” للحكومة الأمريكية. فارتفاع الإنتاجية والنمو قد يزيد الإيرادات ويخفض نسبة الدين إلى الناتج، لكن ارتفاع أسعار الفائدة سيزيد تكاليف خدمة الدين، مما يعيق التقدم.
ويؤكد دادلي أن الذكاء الاصطناعي “مهم بلا شك” لكنه “لن يغير جذريًا آفاق الاقتصاد الأمريكي طويلة الأجل”. الأمل ليس إستراتيجية. يشير المحللون إلى أن الولايات المتحدة ستشهد في الأشهر القليلة القادمة مناقشات حادة حول الميزانية الفيدرالية، وتقدم هذه النتائج حجة إضافية لضرورة معالجة التحديات المالية الهيكلية. ومن المتوقع أن يصدر بنك الاحتياطي الفيدرالي تقريرًا مفصلاً عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد بحلول نهاية عام 2025.




