Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

هل تحبني؟ سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي

أمستردام – في مشهد سينمائي مؤثر، عُرض فيلم “هل تحبني” (Do You Love Me) للمخرجة اللبنانية لانا ضاهر في سينما “العين” الجميلة بأمستردام، ليأخذ المشاهدين في رحلة عاطفية عبر عقود من الذاكرة اللبنانية. الفيلم، الذي يعتمد على أكثر من ألفي قطعة أرشيفية، يقدم صورة مكثفة لبيروت وتاريخها المضطرب، ويطرح تساؤلات عميقة حول الهوية والانتماء والذاكرة الجماعية في لبنان.

الفيلم الذي بدأ كبحث شخصي عن ذكريات الطفولة، استغرق ثماني سنوات من العمل المضني في التنقيب في الأرشيفات ومشاهدة آلاف الساعات من اللقطات، ليتحول إلى مشروع سينمائي يلامس القلوب والعقول. “هل تحبني” لا يكتفي بعرض الأحداث التاريخية، بل يركز على تأثيرها على حياة الناس العاديين، ويستكشف العلاقة المعقدة بين اللبنانيين ووطنهم.

وطن بلا سردية تاريخية موحدة: فيلم “هل تحبني” يكشف عن جروح لبنان

أحد أكثر الجوانب إثارة للتفكير في الفيلم هو الكشف عن غياب سردية تاريخية موحدة في لبنان. وفقًا للضاهر، لا توجد كتب تاريخ رسمية موحدة في المناهج التعليمية اللبنانية، مما يجعل الذاكرة الجماعية مشظاة بين الطوائف والمناطق والروايات المتضاربة. الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت 15 عامًا، غائبة تقريبًا عن المناهج الدراسية، مما يترك اللبنانيين يعتمدون على الذكريات الشخصية والروايات العائلية لفهم ماضيهم.

الفيلم يحاول إعادة تجميع هذه الشظايا، لتقديم تاريخ بصري جماعي يمكن للأجيال الجديدة أن تعود إليه. من خلال تجميع مواد أرشيفية متنوعة، بما في ذلك الأفلام والبرامج التلفزيونية والصور الفوتوغرافية، تبني المخرجة سردًا موازيًا لما عاشه اللبنانيون عبر العقود. هذا الجهد يهدف إلى ملء الفراغ الذي تركته كتب المدارس، وتقديم تاريخ بديل يعتمد على تجارب الناس العاديين.

بيروت من خلال عيون أهلها

لا يقدم الفيلم تاريخًا رسميًا من الأعلى، بل يستكشف بيروت من الداخل، بعيون أهلها وأصواتهم. نرى في الفيلم صحافيًا يعود إلى منزله المدمر بعد غارة إسرائيلية، وسائق أجرة يروي حكاية برج مهجور، ومرشدًا سياحيًا يصطحب زوارًا غربيين في جولة على معالم المدينة. هذه القصص الصغيرة، اليومية، الشخصية، هي ما يمنح الفيلم قوته الإنسانية.

الفيلم لا يتحدث عن الحروب كأحداث كبرى، بل عن أثرها على الناس العاديين، على بيوتهم وأحلامهم وحياتهم اليومية. يرصد هشاشة مفهوم “الوطن” في بلد يمكن أن تنقلب أوضاعه بين ليلة وضحاها، وحتى البيت والأرض معرضان للضياع في أي لحظة. لكنه في الوقت نفسه يصوّر بيروت كأنها “عروس الشرق” الجميلة المفعمة بالحياة رغم الندوب.

الموسيقى كجسر بين الأجيال

تلعب الموسيقى دورًا محوريًا في الفيلم، وهو أمر مقصود تمامًا من المخرجة. الموسيقى مهمة جدًا للبنانيين، وتلعب دورًا كبيرًا في حياتهم اليومية. لذا، حاولت المخرجة خلط الموسيقى بالتاريخ والأرشيف، واختارت أغاني تتجاوز الأجيال وتتقاطع مع الطبقات المختلفة. عنوان الفيلم نفسه مستوحى من أغنية شهيرة لعائلة بندلي اللبنانية، والسؤال البسيط “هل تحبني؟” يكتسب في سياق الفيلم عمقًا يتجاوز بعده الرومانسي.

الفيلم “هل تحبني” حصد جوائز وتقديرات في العديد من المهرجانات الدولية، بما في ذلك جائزة الفيلم السياسي من مؤسسة فريدريش إيبرت في مهرجان هامبورغ. لجنة التحكيم رأت في الفيلم “فسيفساء من الذكريات” ترسم صورة شعرية لبيروت كأنها عالقة في حلقة مفرغة من العنف والاضطراب. هذا النجاح العالمي يعكس صدى الفيلم لدى جمهور متنوع، الباحث عن أفلام تتجاوز الجغرافيا لتلامس التجربة الإنسانية المشتركة.

من المتوقع أن يستمر عرض الفيلم في المزيد من المهرجانات الدولية، وأن يحظى بتوزيع أوسع في دور السينما. في الوقت الحالي، لا توجد معلومات محددة حول موعد إطلاقه تجاريًا في لبنان أو في المنطقة العربية، ولكن من المرجح أن يتم ذلك في الأشهر القادمة. يبقى أن نرى كيف سيساهم هذا الفيلم في إثارة النقاش حول الذاكرة والتاريخ والهوية في لبنان، وما إذا كان سيؤدي إلى إعادة تقييم السرديات التاريخية السائدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى