تفكيك 552 شبكة واعتقال الآلاف ضمن حملة لمواجهة العصابات بتركيا

أنقرة – في ظل تصاعد الاهتمام بالأمن الداخلي، كشفت وزارة الداخلية التركية عن تفكيك 552 شبكة إجرامية واعتقال 6 آلاف و788 من أفرادها منذ بداية العام الجاري، في إطار حملة حكومية واسعة النطاق لمكافحة الجريمة المنظمة. وتأتي هذه الجهود في وقت تسعى فيه أنقرة لتعزيز استقرارها الداخلي ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة.
جاء الإعلان خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة في البرلمان التركي يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث قدم وزير الداخلية علي يرلي كايا تفاصيل العمليات الأمنية ونتائجها. وأشار إلى أن السلطات التركية تمكنت من مصادرة أصول تقدر قيمتها بـ76 مليار ليرة تركية مرتبطة بهذه الشبكات، مؤكدًا أن استهداف الجذور المالية للجريمة يمثل أولوية استراتيجية رئيسية للوزارة.
حملة مكافحة الجريمة المنظمة وتداعياتها
اتسمت العمليات الأمنية بتنسيق مكثف بين مختلف الوحدات المتخصصة، بما في ذلك تلك المعنية بمكافحة التهريب وتجارة المخدرات والجرائم السيبرانية. وتشير البيانات إلى أن المعركة ضد الجريمة المنظمة تتجاوز الحدود التقليدية لتشمل الجبهات الرقمية والمالية واللوجستية. وبحسب مسؤولين، فإن هذه الاستراتيجية المتكاملة تهدف إلى تعطيل قدرة هذه الشبكات على العمل والتوسع.
وكشف يرلي كايا عن توقيف 395 أجنبياً داخل البلاد، من بينهم 305 مدرجون على قوائم الإنتربول، مما يعكس التعاون الوثيق مع أجهزة الأمن الدولية. كما تم إعادة 279 مطلوبًا إلى تركيا بعد ملاحقتهم في الخارج، في حين صدرت مذكرات توقيف بحق ألف و35 شخصًا تم تحديد مواقعهم خارج البلاد. ويرى المسؤولون أن تبادل المعلومات الاستخباراتية وتكثيف العمليات المشتركة يعززان أمن تركيا وشركائها الإقليميين.
التعاون الدولي وتبادل المعلومات
تؤكد وزارة الداخلية على أهمية التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة، مشيرة إلى أن العديد من العمليات الناجحة كانت نتيجة لتنسيق وثيق مع دول أخرى. وتشمل هذه الجهود تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنفيذ عمليات مشتركة، وتنسيق الجهود القانونية لملاحقة المجرمين عبر الحدود. وتعتبر تركيا مركزًا إقليميًا للعديد من الشبكات الإجرامية، مما يجعل التعاون الدولي أمرًا بالغ الأهمية.
وتتقاطع هذه الجهود مع حملة مكافحة الإرهاب الجارية ضمن مشروع “تركيا بلا إرهاب”، الذي يعتبره الرئيس رجب طيب أردوغان ركيزة لتثبيت قوة الدولة وضمان استقرار المنطقة. ويرى مراقبون أن أنقرة، من خلال هذه الحملات، تسعى لمعالجة ملف أمني داخلي له امتدادات إقليمية أوسع.
ميزانية ضخمة لمكافحة الجريمة
أعلن وزير الداخلية تخصيص نحو 1.4 تريليون ليرة تركية (أكثر من 33 مليار دولار) للوزارة في موازنة 2026، وهو ما يمثل 8.56% من الموازنة العامة، وهي نسبة غير مسبوقة. يعكس هذا التخصيص الأولوية القصوى التي توليها الحكومة للملف الأمني في العام المقبل. وتشير التقارير إلى أن هذه الميزانية ستستخدم لتعزيز قدرات الشرطة، وتحديث المعدات، وتوسيع نطاق العمليات الأمنية.
ويرى محللون أن الحكومة تسعى من خلال هذه الميزانية إلى ترسيخ “بيئة أمنية جديدة” تتناسب مع التطورات الحالية والتحديات المقبلة، خاصة في ظل الاستحقاقات الانتخابية المتوقعة. ويعتبرون أن الأداء الأمني أصبح جزءًا أساسيًا من معادلة الشرعية السياسية، خاصة بعد توظيف الحكومة للملف الأمني خلال انتخابات مارس/آذار 2024 المحلية.
تراجع جرائم قتل النساء
بحسب بيانات وزارة الداخلية، شهدت تركيا انخفاضًا ملحوظًا في جرائم قتل النساء خلال عام 2025، حيث بلغ عدد الضحايا 217 امرأة خلال الأشهر العشرة الأولى، مقارنة بـ290 ضحية خلال الفترة نفسها من عام 2024، بانخفاض يقترب من 25%. ويعزو المسؤولون هذا التراجع إلى فاعلية السياسات الوقائية، مؤكدين أن “كل حالة قتل ليست رقمًا بل مأساة إنسانية”.
وتدعم السلطات هذا التوجه عبر مراقبة ألف و556 حالة بأساور إلكترونية في 67 ولاية، وإصدار 158 ألفًا و411 أمرًا قضائيًا تقييديًا بحق أشخاص يشكلون تهديدًا لنساء معرضات للخطر، بالإضافة إلى 39 ألفًا و735 قرار حماية فرديًا لتأمين تدخل سريع عند الحاجة. ومع ذلك، تشير منظمات حقوقية إلى أن الأرقام الرسمية قد لا تعكس الصورة الكاملة، حيث سجلت 247 وفاة مشبوهة لنساء خلال نفس الفترة.
من المتوقع أن تستمر الحكومة التركية في التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز الأمن الداخلي في العام المقبل. وستشمل الجهود المستمرة تطوير القدرات الأمنية، وتوسيع نطاق التعاون الدولي، وتنفيذ سياسات وقائية للحد من الجريمة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة، بما في ذلك التهديدات الإرهابية والجرائم السيبرانية، مما يتطلب جهودًا مستمرة ومتواصلة.





