قراءة في خطاب البرهان و”أسوأ ورقة” قدمت لحل أزمة السودان

الخرطوم – في تطور لافت، أبدت الحكومة السودانية موقفًا متصلبًا تجاه مقترحات مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، بشأن حل الأزمة المستمرة في البلاد، وحددت “خطوطًا حمراء” ترفض المساس بها، مما يعقد جهود الوساطة ويزيد من حالة الغموض المحيطة بالمفاوضات. يأتي هذا الرفض في ظل تزايد الضغوط الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي للصراع الدامي الذي يهدد استقرار السودان.
وقد أعربت الحكومة السودانية عن رفضها لمقترحات بولس خلال اجتماع بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، وكبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وفقًا لما نشرته وسائل الإعلام الحكومية. بينما توافق أطراف أخرى، مثل قوات الدعم السريع، على بعض جوانب المبادرة، إلا أن موقف البرهان الرافض يضع عقبات كبيرة أمام أي تقدم نحو تسوية شاملة.
الأزمة السودانية ورفض ورقة مسعد بولس
يأتي هذا التطور بعد أشهر من الحرب الأهلية المدمرة التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، مخلفةً آلاف القتلى والجرحى، ونزوح الملايين من ديارهم. وقد هدفت مبادرة المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات) إلى وقف إطلاق النار وإطلاق عملية انتقالية تقود إلى حكومة مدنية في السودان.
وتضمنت خطة المجموعة الرباعية هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها محادثات لتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم تشكيل حكومة انتقالية جامعة وشفافة خلال تسعة أشهر. لكن الحكومة السودانية، وعلى رأسها البرهان، قدمت رؤيتها الخاصة للحل والتي سلمتها للأمم المتحدة في فبراير الماضي، والتي حملت مطالبها الخاصة، واعتبرت ورقة بولس غير مقبولة.
ردود الأفعال وتداعيات الموقف الجديد
يرى مراقبون أن رد فعل الحكومة السودانية قد يطيح بجهود المجموعة الرباعية في هذه المرحلة، ويفتح الباب أمام إحياء مبادرة أمريكية سعودية بديلة. وقد زادت حدة التوقعات بشأن هذه المبادرة بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن الأسبوع الماضي، حيث ناقش مع مسؤولين أمريكيين سبل دعم جهود السلام في السودان.
وفي هذا السياق، انتقد البرهان خلال اجتماعه مع القادة العسكريين، مقترحات بولس واصفًا إياها بأنها “أسوأ ورقة يتم تقديمها”. واتهم بولس بالتحيز لقوات الدعم السريع، وبتجاهل دور الجيش في حماية الدولة. كما أعرب عن قلقه بشأن تهديدات بولس بفرض عقوبات على الحكومة السودانية في حال عدم التعاون وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
من جهته، عبّر نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، خالد عمر يوسف، عن عدم استغرابه من رد فعل البرهان، مشيرًا إلى أنه يميل دائمًا إلى الانحياز إلى مصالح الحركة الإسلامية على حساب مطالب الشعب السوداني. وأضاف أن خطاب البرهان يعكس رفضًا للسلام نفسه، مما يطيل أمد المعاناة في البلاد.
الخلاف حول السلطة والجيش
يشير المحللون إلى أن الخلاف الجوهري بين الأطراف المتنازعة يكمن في مسألة السلطة ومستقبل الجيش في الدولة. تسعى قوات الدعم السريع إلى إضعاف الجيش وتقليص دوره، بينما يصر الجيش على الحفاظ على مكانته كقوة أساسية في الدولة. ويرى البعض أن ورقة بولس تهدف إلى تحقيق توازن في السلطة، من خلال إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، وهو ما ترفضه الحكومة السودانية بشكل قاطع.
ويتفق الكاتب إبراهيم الصديق مع هذا الطرح، مشيرًا إلى أن الحكومة السودانية غالبًا ما تحول الأزمات الكبرى إلى صراعات شخصية مع رموز دولية، بدلاً من معالجة جذور المشكلة. ويضيف أنه من الضروري التركيز على إيجاد حل سياسي شامل يراعي مصالح جميع الأطراف، ويضمن انتقالًا سلميًا إلى الديمقراطية.
الوضع في السودان –بعد رد الحكومة على مقترحات بولس- يثير تساؤلات حول مستقبل عملية السلام، وما إذا كان من الممكن التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب الدائرة في البلاد. ومن المتوقع أن تستأنف الجهود الدبلوماسية في الأيام القادمة، مع التركيز على إيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف المتنازعة، وتقديم تنازلات متبادلة. وتظل المبادرة السعودية الأمريكية خيارًا مطروحًا على الطاولة، ولكن نجاحها يعتمد على مدى استعداد الأطراف السودانية للتعاون والتفاوض بحسن نية. من الأهمية بمكان متابعة ردود فعل القوى الإقليمية والدولية على هذا الموقف المتصلب، وحجم الضغوط التي قد تمارس على الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع للدفع بهما نحو طاولة المفاوضات.





