روسيا والصين يعززان تعاملاتهما بالعملات الوطنية

تتجه موسكو وبكين إلى تعزيز شراكتهما الاقتصادية، مع التركيز بشكل خاص على تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الثنائية وتوسيع حركة السفر المتبادلة. وتشير البيانات الحديثة إلى أن البلدين يسعيان نحو نموذج اقتصادي أكثر استقلالية، مدفوعًا بزيادة ملحوظة في المعاملات المالية المشتركة وتدفقات السياحة المتزايدة. هذا التحول يمثل استجابة للضغوط الغربية المتزايدة ويسعى إلى بناء نظام مالي بديل.
وتأتي هذه الخطوات في وقت يشهد فيه التعاون الروسي الصيني نموًا مطردًا في مختلف المجالات، بما في ذلك الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية. ويعتبر تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين بمثابة رسالة واضحة للعالم حول رغبتهما في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب.
التسويات بالعملات الوطنية تصل إلى 95%
أعلن بوريس تيتوف، مبعوث الرئيس الروسي للعلاقات بالمنظمات الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، أن نسبة 95% من التسويات بين روسيا والصين تتم الآن بالعملات الوطنية. وأكد تيتوف أن هذه الخطوة أصبحت “أداة مهمة للغاية في مكافحة الضغط الغربي” وتقليل المخاطر المرتبطة بالعقوبات وتقلبات أسعار الصرف. جاء ذلك خلال كلمته في المنتدى الروسي-الصيني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مدينة شيآن الصينية.
ورغم هذا التقدم، لا تزال سرعة وتكلفة عمليات الدفع تشكل تحديًا للشركات، وفقًا لتصريحات تيتوف. ويعمل الجانبان الروسي والصيني على تنفيذ آليات بديلة، بما في ذلك التسويات باستخدام الأصول المالية الرقمية، في محاولة لبناء نظام مالي موازٍ لا يتأثر بالعقوبات الغربية. هذه الخطوة تعكس التزام البلدين بتعميق التعاون الاقتصادي وتجاوز القيود المفروضة عليهما.
3.5 ملايين رحلة متوقعة في 2025
يشهد التعاون بين روسيا والصين أيضًا نموًا ملحوظًا في قطاع السياحة. وتتوقع وكالة “تاس” أن تصل التدفقات السياحية بين البلدين إلى 3.5 مليون رحلة بحلول نهاية عام 2025، بزيادة قدرها 30% مقارنة بعام 2024. يعزى هذا الارتفاع إلى نظام الإعفاء من التأشيرة الذي يسهل حركة السياح بين البلدين.
وأكد مسؤول روسي أن موسكو تثمن مبادرة الشركاء الصينيين وتستعد لإطلاق نظام دخول بلا تأشيرة للمواطنين الصينيين بشكل مماثل. ويشير هذا التبادل إلى رغبة البلدين في تعزيز الروابط الثقافية والشعبية، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي. الصين استعادت موقعها كأكبر مصدر للسياح الأجانب إلى روسيا، مما يؤكد على عمق العلاقات بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، يركز الجانبان على تطوير البنية التحتية اللوجستية لتسهيل التجارة والسياحة. ويشمل ذلك تطوير طرق النقل البري والبحري والجوي، بالإضافة إلى إنشاء مناطق اقتصادية خاصة على طول الحدود بين البلدين. تهدف هذه الجهود إلى تقليل تكاليف النقل وتقليل الوقت اللازم لنقل البضائع والركاب.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن روسيا والصين تسعيان إلى بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد، تتجاوز التعاون الاقتصادي لتشمل التعاون السياسي والعسكري والثقافي. هذه الشراكة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي، وتحدي الهيمنة الغربية. التعاون في مجال الطاقة، على سبيل المثال، يشمل مشاريع مشتركة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى استمرار التعاون في مجال النفط والغاز.
من المتوقع أن يستمر التعاون الروسي الصيني في النمو في السنوات القادمة، مع التركيز على تعزيز الاستقلال الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. سيراقب المراقبون عن كثب تطورات آليات الدفع الجديدة، وتأثيرها على النظام المالي العالمي. كما سيتابعون تطورات حركة السياحة بين البلدين، وتأثيرها على التبادل الثقافي والشعبي. يبقى التحدي الأكبر هو التغلب على العقبات اللوجستية والتنظيمية التي تعيق التعاون، وضمان استدامة هذه الشراكة على المدى الطويل.





