في دراسة هي الأكبر من نوعها.. العدوى الخطيرة قد تفتح الباب أمام الخرف

أظهرت دراسة حديثة أجرتها الجامعة الوطنية في سنغافورة وجود صلة قوية بين الإصابة بعدوى خطيرة ودخول المستشفى وبين زيادة خطر الإصابة بالخرف لدى كبار السن. وتشير النتائج إلى أن المرضى الذين يتطلب علاجهم دخول المستشفى بسبب عدوى معينة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب العصبي التنكسي بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف.
ركزت الدراسة، التي نُشرت في مجلة Aging، على تحليل بيانات أكثر من 4 ملايين شخص يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر. وأكدت الدراسة العالمية أن التعرض لعدوى شديدة يمكن أن يزيد بشكل كبير من احتمالات الإصابة بالخرف على المدى الطويل، مما يثير مخاوف جديدة بشأن الصحة العامة لكبار السن.
الخرف والالتهابات الحادة: علاقة معقدة
وفقًا للباحثين، فإن دخول المستشفى لعلاج التهابات مثل تعفن الدم والالتهاب الرئوي والتهابات المسالك البولية والتهابات الأنسجة الرخوة يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بالخرف بنسبة 83٪. يعتقدون أن هذا الارتفاع قد يكون ناتجًا عن تأثير العدوى على الدماغ وكيفية عمله.
أنواع الخرف الأكثر عرضة للزيادة
أظهرت الدراسة تفاصيل إضافية حول أنواع الخرف التي ترتفع احتمالاتها بعد الإصابة بالعدوى. فبينما ارتفع خطر الإصابة بمرض ألزهايمر بنسبة 60%، شهد الخرف الوعائي زيادة ملحوظة تصل إلى 268%.
الخرف الوعائي، على وجه الخصوص، يعتبر مقلقًا لأنه غالبًا ما يرتبط بمشاكل في تدفق الدم إلى الدماغ أو السكتات الدماغية، مما يؤدي إلى أعراض مثل تباطؤ التفكير وصعوبة التركيز ومشاكل في تنظيم الأفكار.
يُضاف إلى ذلك، أن تعفن الدم أظهر أعلى نسبة خطر، حيث يزيد من احتمالات الإصابة بالخرف بنحو 80% على مدى فترة زمنية تتراوح بين عامين و25 عامًا. الالتهاب الرئوي يليه بنسبة 70%، ثم التهابات المسالك البولية بنسبة 57%، وأخيرًا التهابات الأنسجة الرخوة بنسبة 42%.
يشير الخبراء إلى أن الالتهابات الحادة قد تضعف ما يُعرف بـ “الحاجز الدموي الدماغي” (blood-brain barrier)، وهو نظام حماية طبيعي للدماغ. عندما يضعف هذا الحاجز، يمكن لمسببات الأمراض والمواد الضارة أن تدخل الدماغ، مما يسبب التهابات وتلفًا.
يعتقد الباحثون أيضًا أن العدوى قد تنتقل من الأمعاء إلى الدم ثم إلى الدماغ، مما يؤدي إلى التهاب مزمن منخفض الدرجة. يُعد هذا الالتهاب المستمر أحد العوامل المساهمة في تطور الخرف.
على الرغم من وجود بعض التحديات في تحديد مدى شدة العدوى أو طول فترة الإقامة في المستشفى بشكل دقيق، يرى العلماء أن هذا الارتباط القوي بين العدوى الشديدة وارتفاع معدلات الخرف يستدعي مزيدًا من البحث.
تعتبر جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى المسنين المصابين بعدوى حادة أمرًا بالغ الأهمية، بحسب الدراسة. الهدف هو تقليل الالتهابات، وتحسين تدفق الدم إلى الدماغ، وتقليل الضرر الناتج عن العدوى.
دعا الباحثون الأطباء وفرق التمريض إلى توخي الحذر الشديد عند التعامل مع كبار السن المصابين بعدوى حادة، مع التأكيد على أن التدخل المبكر والرعاية المناسبة يمكن أن تساعد في الحد من خطر تطور الخرف في المستقبل. كما أوصوا بإجراء المزيد من الدراسات لتحديد الآليات الدقيقة التي تربط بين العدوى والخرف، بهدف تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية فعالة.
في سياق متصل، يذكر أن منظمة الصحة العالمية تُحذر بشكل مستمر من الزيادة المطردة في أعداد المصابين بالخرف على مستوى العالم، وتدعو إلى تخصيص المزيد من الموارد للبحث عن أسباب وعلاجات هذا المرض المدمر. وتشمل الجهود العالمية أيضًا التركيز على عوامل الخطر القابلة للتعديل مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والسكري والسمنة – بما في ذلك الآن الإصابة بالعدوى.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال في السنوات القادمة. يجب على الباحثين تحديد ما إذا كانت هناك تدخلات معينة يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالخرف بعد الإصابة بالعدوى، مثل استخدام مضادات الالتهاب أو تحسين إدارة تدفق الدم إلى الدماغ. كما أن تحديد العوامل التي تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالخرف من غيرهم بعد الإصابة بالعدوى سيكون أمرًا بالغ الأهمية.
في الوقت الحالي، يشدد الأطباء على أهمية الوقاية من العدوى لدى كبار السن، من خلال التطعيم المنتظم وغسل اليدين وتجنب الاتصال الوثيق بالأشخاص المرضى. كما يجب على كبار السن التماس العناية الطبية الفورية في حالة ظهور أعراض العدوى.





