بعد إنهاء عملها.. مَن يحاسب “غزة الإنسانية” على قتل أكثر من ألف مجوع؟

غزة – بعد ستة أشهر من عملها في قطاع غزة، أعلنت “مؤسسة غزة الإنسانية” الأمريكية عن إنهاء مهمتها، وسط اتهامات بتبني سياسات ساهمت في تفاقم الأزمة الإنسانية وتسببت في خسائر فادحة في الأرواح. وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول المساءلة القانونية والأخلاقية عن الدور الذي لعبته المؤسسة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، خاصة فيما يتعلق بعمليات توزيع المساعدات الإنسانية.
وقد تركت وراءها المؤسسة سجلاً طويلاً من الشكاوى المتعلقة بتقييد الوصول إلى الغذاء وتأخير المساعدات، بالإضافة إلى اتهامات بوقوع ضحايا نتيجة للفوضى وعدم التنظيم في مراكز التوزيع. ويطالب مراقبون وضحايا بفتح تحقيق مستقل لتقييم مشاركة المؤسسة في الأزمة، وتحديد ما إذا كانت ممارساتها تتماشى مع القانون الدولي الإنساني.
مؤسسة “غزة الإنسانية” وتداعيات عملها في القطاع
بدأت “مؤسسة غزة الإنسانية” عملياتها في 27 مايو/أيار الماضي، بعد أشهر من الإغلاق الكامل للمعابر الحدودية للقطاع، في وقت كانت فيه المساعدات الإنسانية محدودة للغاية. وتهدف المؤسسة المعلنة إلى توفير الغذاء والدعم الأساسي لسكان غزة، الذين يعانون من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، خاصة بعد بدء القتال.
لكن سرعان ما ظهرت انتقادات واسعة النطاق حول طريقة عمل المؤسسة، حيث اتهمها العديد من السكان المحليين والمنظمات الحقوقية بالتمييز في توزيع المساعدات الغذائية، وتبني معايير غير واضحة للاستفادة، بالإضافة إلى استخدام أساليب تسببت في تجمعات كبيرة وفوضى أدت إلى إصابة ووفاة العديد من الأشخاص. وأكدت تقارير مختلفة على أن غالبية الضحايا كانوا يسعون فقط للحصول على لقمة العيش.
ويشير تقرير صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن المؤسسة قامت بتوزيع 187 مليون وجبة خلال فترة عملها، لكن هذا الرقم لا يعكس الصورة الكاملة للأزمة. وبحساب بسيط، فإن حصة الفرد الواحد تبلغ حوالي 78 وجبة خلال ستة أشهر، أي ما يعادل 13 وجبة شهريًا، وهو ما يكاد يكون غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الأساسية في ظل الظروف الحالية.
شهادات من الضحايا والمقيمين
لا يزال عبد الله أبو شاويش يعاني من إصابة خطيرة في قدمه، نتيجة إطلاق النار عليه من قبل قناص أثناء محاولته الحصول على الطعام من مركز توزيع تابع للمؤسسة في منطقة “نتساريم”. ويحتاج أبو شاويش إلى علاج طبي متخصص في الخارج، لكنه يواجه صعوبات جمة في الحصول عليه. كما يروي شهود عيان عن مشاهد مروعة لضحايا سقطوا أمام أعينهم، بعد انتظار لساعات طويلة للحصول على وجبة طعام.
ويقول أيمن أبو شنب، وهو أحد المصابين، إن عدة رصاصات أصابت بطنه أثناء محاولته الحصول على المساعدات. ويروي قصة معاناته مع نقص الرعاية الطبية وغياب أي تعويضات عن الأضرار التي لحقت به.
المسؤولية القانونية والأخلاقية
يطالب المكتب الإعلامي الحكومي بفتح تحقيق دولي في دور المؤسسة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين. ويدعي المكتب أن المؤسسة حوّلت مراكز التوزيع إلى “مصائد موت”، وأنها تعمدت خلق فوضى وتجمعات كبيرة لتسهيل استهداف المدنيين. وأشار إلى أن 73% من الضحايا الذين سقطوا أثناء انتظار المساعدات كانوا قرب مراكز توزيع تابعة للمؤسسة الأمريكية.
من جانبه، يرى مركز غزة لحقوق الإنسان أن ممارسات المؤسسة تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وأحكام اتفاقيات جنيف. ويؤكد المركز على أن تجويع السكان يعتبر جريمة حرب، وأن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو تسييسها يعتبر انتهاكًا خطيرًا للمعايير الإنسانية. ويطالب المركز بضمان حق الضحايا في اللجوء إلى القضاء، وطلب التعويضات العادلة عن الخسائر التي تكبدوها. ويشدد على ضرورة إعادة المساعدات الإنسانية إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المستقلة.
إيقاف العمل والجدل مستمر حول إيصال المساعدات الإنسانية
أعلنت “مؤسسة غزة الإنسانية” عن إيقاف عملياتها في القطاع، دون تقديم تفسير واضح للأسباب. وبينما اعتبرت المؤسسة مهمتها “تاريخية”، يرى الكثيرون أن هذا الإعلان لا يغير من حقيقة الأزمة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون، ولا يلغي المسؤولية عن الأضرار التي تسببت بها.
وتتزايد الدعوات للمحاسبة، حيث تطالب منظمات حقوقية وجهات دولية بفتح تحقيق شامل في ملابسات عمل المؤسسة، وتحديد ما إذا كانت هناك أي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. ويتوقع أن يشكل هذا الأمر ضغطًا إضافيًا على الجهات المسؤولة للشروع في تحقيق جاد وشفاف. ومن المتوقع أيضاً متابعة ردود فعل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية تجاه هذا الإعلان والتحقيق المُحتمل.





