عام على وقف إطلاق النار.. لبنان بين التحذير والتصعيد

بيروت – بعد مرور عام على اتفاق وقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان، لا يزال الوضع بعيداً عن الاستقرار المنشود، بل يشهد تصاعداً في التوترات. لبنان، الذي التزم ببنود الاتفاق، يواجه واقعاً عسكرياً وسياسياً متأزماً، مع استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات داخل الأراضي اللبنانية، وسط تحذيرات دولية من احتمال حدوث تصعيد واسع النطاق. هذا التوتر المتزايد يثير تساؤلات حول مستقبل الوضع في جنوب لبنان، واحتمالات عودة المنطقة إلى دائرة الصراع.
شهدت العاصمة بيروت حركة دبلوماسية مكثفة خلال الأيام القليلة الماضية، حملت معها مؤشرات مقلقة. تلقت الحكومة اللبنانية رسائل تحذيرية من قوى غربية، تشير إلى احتمال توسيع العمليات الإسرائيلية إذا استمر الوضع الحالي دون تغيير. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تقارير عن بناء قدرات عسكرية إسرائيلية على الحدود، واستعدادات محتملة لعمليات أوسع.
التمسك بالمفاوضات وتصاعد التوترات
تؤكد القيادات اللبنانية أن البلاد تتعرض لـ”حرب من طرف واحد”، وأن إسرائيل تستغل تفسيرات فضفاضة لبنود الاتفاق، خاصة البند الرابع المتعلق بحق الدفاع عن النفس، لتبرير عملياتها المتكررة داخل الأراضي اللبنانية. وتعتبر هذه العمليات خرقاً واضحاً للاتفاق، وتقويضاً للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار.
انتقل الخطاب السياسي لكل من رئيس الجمهورية ونواف سلام من المطالبة بتثبيت وقف إطلاق النار إلى الدعوة لفتح مسار تفاوضي جديد. يهدف هذا المسار إلى تثبيت الاستقرار على المدى الطويل، وترسيم الحدود بشكل نهائي، ومعالجة الأسباب الجذرية للتوترات. إلا أن فرص نجاح هذا المسار تبدو محدودة في ظل الخلافات العميقة حول الحدود، والاتهامات المتبادلة بخرق الاتفاق.
الخروقات الإسرائيلية وتأثيرها على الاستقرار
يرى محللون سياسيون أن إسرائيل لم تلتزم بشكل كامل ببنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المتنازع عليها. وتشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يحتفظ بخمسة مواقع على الأقل داخل الأراضي اللبنانية، ويعزز تحصيناته فيها. هذا الوجود الإسرائيلي المستمر يعتبر استفزازاً للطرف اللبناني، ويعيق جهود تحقيق الاستقرار.
وقد أدى استمرار الخروقات الإسرائيلية إلى تزايد المخاوف الرسمية من أن الوضع قد يتدهور إلى مواجهة مفتوحة، مما يعيد تكرار سيناريو ما قبل الاتفاق. وتشير بعض المصادر إلى أن إسرائيل قد تكون بصدد التخطيط لعملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان، بهدف القضاء على القدرات العسكرية لحزب الله.
“نقطة الصفر” في مسار السلام
يقول المحلل السياسي جوني منير إن المسار نحو السلام في جنوب لبنان لم يتقدم قيد أنملة خلال العام الماضي، بل بقي عالقاً عند “نقطة الصفر”. ويضيف أن الخروقات الإسرائيلية تصاعدت تدريجياً، من مجرد تحليق طائرات مسيرة إلى عمليات قصف جوي وبري واسعة النطاق، مما يشير إلى أن إسرائيل لا تزال تسعى إلى تحقيق أهدافها العسكرية في المنطقة.
ويشير منير إلى أن إسرائيل تروج لفكرة أن لبنان وحزب الله هما المسؤولان عن تعطيل تطبيق الاتفاق، من خلال عدم سحب أسلحتهم أو تسليمها. لكنه يرى أن هذا الادعاء غير صحيح، وأن إسرائيل هي التي لم تلتزم ببنود الاتفاق بشكل كامل.
الضغوط الإقليمية والدولية
تتعرض لبنان لضغوط إقليمية ودولية متزايدة، بهدف تحقيق الاستقرار في جنوب لبنان. وقد زار وزير الخارجية المصري بيروت مؤخراً، وحذر من أن الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة وربما خطرة إذا استمر التصعيد. كما أن هناك جهوداً دبلوماسية أخرى تبذل من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل سلمي للأزمة.
تصعيد تل أبيب وتوقعات المرحلة القادمة
من جانبه، يرى الخبير العسكري العميد حسن جوني أن الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه لحظة توقيع الاتفاق. ويضيف أن إسرائيل لم تلتزم بوقف العمليات العدائية، وأنها واصلت قصف الأراضي اللبنانية، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. ويشير جوني إلى أن إسرائيل قد تكون بصدد التخطيط لعملية عسكرية أوسع نطاقاً، بهدف تحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة.
ويعتبر المحلل السياسي علي حيدر أن معظم الرهانات الإسرائيلية والأمريكية على تراجع حضور المقاومة في لبنان قد سقطت. ويضيف أن حزب الله لا يزال يتمتع بقوة وتأثير كبيرين في المنطقة، وأن أي محاولة لإضعافه ستفشل. ويشير حيدر إلى أن الوضع الأمني في جنوب لبنان يدخل مرحلة شديدة الحساسية، وأن هناك احتمالات مرتفعة لتصعيد إسرائيلي.
في الختام، يبدو مستقبل الوضع في جنوب لبنان غامضاً وغير مؤكد. من المتوقع أن تستمر التوترات في المنطقة، وأن تشهد الأيام المقبلة تطورات جديدة. ما يجب مراقبته هو رد فعل الأطراف المعنية على أي تصعيد إسرائيلي، وجهود الوساطة الدولية المبذولة لتهدئة الأوضاع. يبقى تحقيق الاستقرار الدائم في جنوب لبنان رهناً بالتوصل إلى حل سياسي شامل، يعالج الأسباب الجذرية للتوترات، ويضمن حقوق جميع الأطراف.
رغم مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان.. الجيش الإسرائيلي يواصل الاحتفاظ بخمسة مواقع في الأراضي اللبنانية، حيث عزز تحصيناته ووسّع طرق الوصول إليها#الجزيرة_ألبوم pic.twitter.com/XkFVLa2OVc
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 27, 2025





