مركّب نباتي واعد يفتح آفاقاً جديدة لعلاج أحد أخطر أنواع سرطان الدم

أظهرت دراسة علمية حديثة إمكانات واعدة لمركب طبيعي مستخلص من نبات الشار في علاج سرطان الدم النقيّي الحاد، وهو أحد أكثر أنواع سرطان الدم خطورة. تشير النتائج إلى أن هذا المركب، المعروف باسم الفورسكولين، قد يعزز فعالية العلاجات الكيميائية الحالية ويحسن فرص بقاء المرضى على قيد الحياة. أجريت الدراسة من قبل فريق بحثي في جامعة ساري البريطانية، ونشرت نتائجها في مجلة British Journal of Pharmacology.
تأتي هذه النتائج في ظل تزايد الاهتمام بالعلاجات الطبيعية كبديل أو مكمل للعلاجات التقليدية للسرطان. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يمثل سرطان الدم تحديًا صحيًا عالميًا، حيث يتم تشخيص ملايين الحالات سنويًا. يهدف الباحثون إلى تطوير علاجات أكثر فعالية وأقل آثارًا جانبية لمرضى سرطان الدم.
سرطان الدم النقيّي الحاد والفورسكولين: آلية عمل جديدة
يركز البحث على نوع معين من سرطان الدم النقيّي الحاد، وهو المرتبط بإعادة ترتيب جين KMT2A. يعتبر هذا النمط من سرطان الدم صعب العلاج بشكل خاص، وغالبًا ما يكون معدل البقاء على قيد الحياة منخفضًا. اكتشف فريق البحث أن الفورسكولين، المستخلص من نبات Coleus forskohlii، يبطئ نمو خلايا سرطان الدم بشكل مباشر.
تأثير مزدوج على الخلايا السرطانية
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن الفورسكولين يعزز تأثير دواء العلاج الكيميائي داونوروبيسين. يعمل الفورسكولين عن طريق تنشيط إنزيم PP2A، الذي يلعب دورًا حاسمًا في تنظيم نمو الخلايا. يساهم هذا التنشيط في خفض نشاط الجينات التي تدعم تطور المرض.
ولكن، الآلية الأكثر إثارة للاهتمام هي قدرة الفورسكولين على تثبيط بروتين P-glycoprotein 1. يستخدم هذا البروتين من قبل الخلايا السرطانية لطرد الأدوية، مما يؤدي إلى تطوير مقاومة للعلاج. من خلال تثبيط هذا البروتين، يجعل الفورسكولين الخلايا السرطانية أكثر عرضة لتأثير العلاج الكيميائي.
تعاون دولي يدعم البحث
أجريت الدراسة بالتعاون بين علماء من مؤسسات بحثية في بريطانيا وإسبانيا، وبدعم من مؤسسة Leukaemia UK. يؤكد هذا التعاون الدولي على أهمية تبادل المعرفة والخبرات في مجال أبحاث السرطان. تعتبر مؤسسة Leukaemia UK من أبرز الجهات الداعمة لأبحاث سرطان الدم في المملكة المتحدة.
صرحت الدكتورة ماريا تيريزا إسبوزيتو، الباحثة الرئيسية في الدراسة، بأن النتائج تكشف عن آلية مزدوجة واعدة للفورسكولين. وأضافت أن المركب لا يمتلك تأثيرًا مباشرًا مضادًا للوكيميا فحسب، بل يعمل أيضًا كمُعزّز قوي للعلاج الكيميائي التقليدي. من جانبه، أكد الدكتور سيمون ريدلي من مؤسسة Leukaemia UK أن هذه الدراسات تمثل خطوة مهمة نحو تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة لمرضى سرطان الدم.
تشير الأبحاث الأولية إلى أن نبات الشار قد يكون له فوائد صحية أخرى، بما في ذلك تحسين صحة القلب والأوعية الدموية. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه الفوائد وتحديد الجرعات الآمنة والفعالة. العلاج الكيميائي يظل العلاج القياسي لسرطان الدم النقيّي الحاد، ولكن هذه النتائج تقدم أملًا في تحسين فعاليته.
في الوقت الحالي، يخطط فريق البحث لإجراء المزيد من الدراسات قبل البدء في التجارب السريرية على البشر. من المتوقع أن تبدأ هذه التجارب في غضون السنوات القليلة القادمة، إذا أظهرت النتائج الأولية سلامة وفعالية الفورسكولين. سيراقب الباحثون عن كثب أي آثار جانبية محتملة ويقيمون الجرعة المثلى للمركب. تعتبر هذه الخطوة ضرورية لضمان سلامة المرضى وفعالية العلاج.
يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه النتائج الواعدة إلى علاجات سريرية فعالة. يتطلب ذلك إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الآليات البيولوجية المعقدة التي ينطوي عليها عمل الفورسكولين. كما يتطلب تطوير طرق فعالة لتوصيل الدواء إلى الخلايا السرطانية وتقليل الآثار الجانبية المحتملة. ستظل أبحاث سرطان الدم مجالًا حيويًا للتركيز في السنوات القادمة.





