ما حقيقة اختفاء أموال صندوق الرعاية الاجتماعية في العراق؟

أثار تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي أحمد الأسدي حول اختفاء مبلغ 2.5 تريليون دينار عراقي من صندوق الرعاية الاجتماعية جدلاً واسعاً في البلاد. هذا المبلغ، الذي يعادل حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي، مخصص لتغطية رواتب الفئات الهشة المستفيدة من برامج الرعاية الاجتماعية. وقد سارع الوزارة إلى إصدار توضيحات بعد ردود الفعل، مؤكدةً أن الأمر يتعلق بسوء فهم وأن المبلغ لم يختفِ فعلياً.
جاءت هذه التطورات في وقت يشهد فيه العراق تحديات اقتصادية متزايدة، بما في ذلك انخفاض أسعار النفط وتزايد الديون. وقد أثار هذا الحادث تساؤلات حول إدارة الأموال العامة وشفافية العمليات المالية في البلاد، خاصةً مع وجود أكثر من 7 ملايين مستفيد من الرعاية الاجتماعية يعتمدون على هذه الأموال لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
اختفاء مبلغ 2.5 تريليون دينار عراقي: تفاصيل وتوضيحات
في البداية، صرح وزير العمل بأن المبلغ اختفى بين وزارة المالية ومصرف الرافدين الحكومي. لكن وزارة العمل سرعان ما أصدرت بياناً أوضحت فيه أن الوزير تفاجأ بعدم توفر المبلغ عند الاستفسار عنه، دون أن يعني ذلك اختفاءه. وأشارت الوزارة إلى أن حديث الوزير جاء في سياق رؤية مستقبلية لتمويل الإعانات من عوائد الاستثمارات التي سينفذها الصندوق.
وبحسب بيان الوزارة، فإن ما حدث يتعلق بحالة السيولة في المصارف، وعدم جاهزية المبالغ للسحب الفوري على الرغم من إثباتها رقمياً. وقد أكد مصرف الرافدين هذا التوضيح في رسالة رسمية إلى الوزارة، مشيراً إلى أن المبلغ محفوظ ومثبت في الحسابات.
تجميد الحساب وتأكيدات وزارة المالية
من جانبها، أكدت وزارة المالية العراقية أن المبلغ لم يُسحب، وأن ما جرى هو تجميد الحساب فقط. وأوضحت أن الحساب الجاري الخاص بشبكة الحماية الاجتماعية تأسس عام 2015، ويُموّل مركزياً لصرف الرواتب وفقاً لقانون الحماية الاجتماعية. وأضافت أن وزارة العمل لم تتابع رصيد الحساب بالمستوى المطلوب، وأن هناك مبالغ أودعت في الحساب خلافا لطبيعته، بما في ذلك مبالغ مسترجعة من البطاقات الذكية.
دور صندوق الحماية الاجتماعية وأهميته
يُعد صندوق الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية في عمل وزارة العمل، ويستمد تمويله من ثمانية مصادر مختلفة. وتعتمد الوزارة خطة استثمارية طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز موارد الصندوق وتمكينه من تمويل إعانات الحماية الاجتماعية من عائداته المستقبلية، مما يقلل العبء على الموازنة العامة. وقد حققت الوزارة تقدماً في تعزيز رصيد الصندوق ليصل إلى تريليونين و500 مليار دينار.
تداعيات الحادث وانتقادات متزايدة
أثار هذا الحادث انتقادات واسعة من قبل خبراء اقتصاديين ونواب في البرلمان. ويرى البعض أن هناك إرباكاً واضحاً في إدارة الأموال العامة وغياب رؤية واضحة في التنسيق بين المؤسسات الحكومية. كما أثار الأمر مخاوف بشأن استقرار إعانات الرعاية الاجتماعية وتأثير ذلك على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
ويشير الدكتور نبيل المرسومي، أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، إلى أن التصريحات المتضاربة بين وزارة المالية ومصرف الرافدين ووزارة العمل تعكس فوضى اقتصادية وسوء إدارة للمال العام. ويطالب بإجراء تدقيق شامل من قبل ديوان الرقابة المالية للكشف عن أي مخالفات أو تصرفات مالية غير قانونية.
الرعاية الاجتماعية في العراق تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك محدودية الموارد وتزايد أعداد المستفيدين. وتعتبر هذه القضية بمثابة ناقوس خطر يدق لضرورة إعادة النظر في آليات إدارة الأموال العامة وتعزيز الشفافية والمساءلة.
مستقبل التحقيقات والخطوات القادمة
من المتوقع أن يقوم ديوان الرقابة المالية ببدء تحقيق شامل في هذا الأمر خلال الأيام القليلة القادمة. وستركز التحقيقات على تحديد أسباب عدم توفر المبلغ في الوقت المحدد، والتحقق من صحة التصريحات الصادرة عن الجهات المعنية. كما سيتم تقييم الإجراءات المتخذة لتأمين الأموال ومنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل. وستكون نتائج التحقيق حاسمة في تحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استقرار صندوق الرعاية الاجتماعية وحماية حقوق المستفيدين.
يبقى الوضع قيد المتابعة، ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تطورات جديدة في هذا الملف. وسيكون من المهم مراقبة نتائج التحقيقات والإجراءات التي ستتخذها الحكومة لمعالجة هذه القضية وضمان عدم تكرارها.




