مجتمع فائق الشيخوخة.. 8 ملايين يعيشون بمفردهم في كوريا الجنوبية

شهدت كوريا الجنوبية ارتفاعًا قياسيًا في عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم في مسكن خاص، حيث تجاوز العدد 8 ملايين شخص في نهاية عام 2024. ويعكس هذا الارتفاع المتزايد في ظاهرة الوحدة السكنية (العيش بمفردهم) التغيرات الديموغرافية الكبيرة التي تشهدها البلاد، بما في ذلك انخفاض معدلات المواليد وارتفاع نسبة كبار السن. وتثير هذه الظاهرة تساؤلات حول مستقبل الرعاية الاجتماعية والتحديات التي تواجهها كوريا الجنوبية.
أظهرت بيانات وزارة الرعاية الاجتماعية الكورية الجنوبية أن 8.05 مليون شخص كانوا يعيشون بمفردهم في منازل خاصة بحلول نهاية العام الماضي، وهو ما يمثل 36.1% من إجمالي عدد السكان. وقد ارتفع هذا الرقم بشكل مطرد على مر السنين، مما يشير إلى تحول كبير في أنماط المعيشة في كوريا الجنوبية.
تزايد ظاهرة الوحدة السكنية في كوريا الجنوبية
بدأ هذا الاتجاه في التسارع منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث ارتفع عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم من 5.2 مليون في عام 2015 إلى 6.64 مليون في عام 2020، وهو ما يمثل 31.7% من جميع الأسر. وتجاوزت هذه النسبة حاجز 30% لأول مرة في تاريخ البلاد. وتشير التقديرات إلى أن هذا النمو سيستمر في السنوات القادمة.
أسباب ارتفاع معدلات الوحدة السكنية
يعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل مترابطة. أولاً، يشهد المجتمع الكوري الجنوبي تحولاً في القيم الاجتماعية، حيث يزداد عدد الشباب الذين يؤجلون الزواج أو يختارون عدم الزواج على الإطلاق. ثانياً، يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصة أسعار المساكن، إلى صعوبة تكوين أسر تقليدية. ثالثاً، يساهم ارتفاع معدلات الطلاق في زيادة عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شيخوخة السكان تلعب دوراً هاماً في هذه الظاهرة. فمع تزايد عدد كبار السن الذين يعيشون بمفردهم بعد وفاة أزواجهم أو ابتعاد أبنائهم، يرتفع إجمالي عدد الأفراد الذين يعيشون في مساكن منفردة. وقد تجاوز عدد كبار السن الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر 10 ملايين شخص في العام الماضي، مما يعكس دخول كوريا الجنوبية إلى مرحلة “فائق الشيخوخة”، حيث تتجاوز نسبة السكان المسنين 20%.
العيش بمفردهم أصبح خيارًا شائعًا بين الشباب والمسنين على حد سواء، مدفوعًا بالرغبة في الاستقلالية والحرية الشخصية. ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة تطرح تحديات جديدة فيما يتعلق بالرعاية الاجتماعية والصحة النفسية.
التحديات والآثار المترتبة على الوحدة السكنية
تتطلب ظاهرة العيش بمفرده استجابة حكومية فعالة لضمان توفير الدعم اللازم للأفراد الذين يعيشون بمفردهم، وخاصة كبار السن. تشمل هذه الاستجابة توفير خدمات الرعاية الصحية المنزلية، وبرامج الدعم المالي، وخدمات الطوارئ. كما يتطلب الأمر تعزيز شبكات الدعم الاجتماعي لتقليل الشعور بالوحدة والعزلة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة أن تعمل على معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض معدلات المواليد. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ سياسات تهدف إلى توفير مساكن ميسورة التكلفة، وتشجيع الزواج والإنجاب، وتعزيز المساواة بين الجنسين. التحول الديموغرافي في كوريا الجنوبية يتطلب حلولاً شاملة ومستدامة.
وفي سياق متصل، تشير التقارير إلى أن هناك زيادة في الطلب على الخدمات المصممة خصيصًا للأفراد الذين يعيشون بمفردهم، مثل خدمات توصيل الطعام، وخدمات التنظيف، وخدمات الصيانة المنزلية. وقد أدى ذلك إلى ظهور صناعات جديدة تلبي احتياجات هذه الفئة المتنامية من السكان.
من المتوقع أن يصل عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم في كوريا الجنوبية إلى 8.55 مليون بحلول عام 2027، و9.71 مليون بحلول عام 2037، و9.94 مليون بحلول عام 2042، وفقًا لتقديرات وزارة الرعاية الاجتماعية. وستستمر الحكومة في مراقبة هذا الاتجاه عن كثب وتطوير سياسات جديدة لمعالجة التحديات المرتبطة به. ومن المقرر إجراء مراجعة شاملة للسياسات الاجتماعية في الربع الأول من عام 2026 لتقييم مدى فعاليتها في دعم الأفراد الذين يعيشون بمفردهم.





