أمنستي ورايتس ووتش تناشدان الدول الأطراف حماية الجنائية الدولية ومواجهة واشنطن

ناشدت منظمتان دوليتان مرموقتان، العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية بالتصدي للعقوبات الأمريكية المفروضة على المحكمة ومسؤوليها، معتبرتين أن هذه العقوبات تمثل تهديدًا خطيرًا لاستقلالها وقدرتها على تحقيق العدالة. وتأتي هذه الدعوات في وقت تواجه فيه المحكمة الجنائية الدولية ضغوطًا متزايدة من عدة جهات، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، مما يثير مخاوف بشأن مستقبلها ودورها في محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية.
بدأت هذه المطالبات مع افتتاح الدورة الرابعة والعشرين لجمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي في لاهاي، حيث حثت المنظمتان الدول الأعضاء على إظهار دعم جماعي للمحكمة وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتعاونون معها. وتستمر الاجتماعات حتى السادس من ديسمبر/كانون الأول، وتعتبر فرصة حاسمة لمناقشة التحديات التي تواجه المحكمة، بما في ذلك تأثير العقوبات الأمريكية.
تأثير العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية
ترى العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن العقوبات الأمريكية، التي استهدفت مدعين وقضاة في المحكمة، بالإضافة إلى منظمات مجتمع مدني فلسطينية ومقرر أممي، تشكل “هجومًا وجوديًا” على المحكمة الجنائية الدولية. وتشير المنظمتان إلى أن قبول أي شروط أمريكية، مثل وقف التحقيقات في فلسطين أو تقييد الولاية القضائية، سيكون بمثابة تقويض للمبادئ الأساسية التي قامت عليها المحكمة.
الضغوط المتزايدة على استقلالية المحكمة
بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية، سلطت المنظمتان الضوء على مذكرات التوقيف الروسية الصادرة بحق مسؤولين في المحكمة، والاختراقات الإلكترونية الأخيرة التي تعرضت لها المؤسسة. وتعتبر هذه الإجراءات محاولات متعمدة لتعطيل عمل المحكمة وتقويض قدرتها على التحقيق في الجرائم الدولية ومحاسبة مرتكبيها.
وفقًا لهيومن رايتس ووتش، فإن العقوبات الأمريكية تؤدي إلى فقدان المستهدفين للتمويل والوصول إلى الخدمات المصرفية، مما يعيق عمل المحكمة على نطاق عالمي. وتدعو المنظمة الدول الأعضاء إلى اتخاذ خطوات ملموسة للتخفيف من آثار هذه العقوبات وإبطالها.
وتقترح العفو الدولية تفعيل “قانون الحجب” من قبل الاتحاد الأوروبي لحماية المحكمة من الآثار غير القانونية للإجراءات الأمريكية. يهدف هذا القانون إلى منع الشركات الأوروبية من الامتثال للعقوبات الأمريكية التي تتعارض مع القانون الأوروبي.
قضايا أخرى مطروحة للنقاش
لم تقتصر مناقشات الجمعية على العقوبات الأمريكية فحسب، بل تناولت أيضًا قضايا عدم التعاون مع المحكمة. وقد خلصت المحكمة إلى أن المجر انتهكت التزاماتها القانونية عندما لم توقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته لبودابست في أبريل/نيسان الماضي. كما تم تسليط الضوء على فشل دول أخرى في تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة.
وتسعى الدول الأعضاء أيضًا إلى إقرار ميزانية 2026، حيث طلبت المحكمة موارد إضافية لتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات المستمرة، بما في ذلك العقوبات الأمريكية. وتشمل هذه التحديات أيضًا الاستمرار في ولايتها العالمية، والتي تجلت هذا العام في تسليم الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي وإصدار حكم تاريخي ضد زعيم مليشيا “الجنجويد” في دارفور.
تعتبر هذه الأحداث بمثابة اختبار حقيقي لإرادة الدول الأعضاء في دعم المحكمة الجنائية الدولية وحماية استقلاليتها. وتشير إلى الحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون الدولي لضمان قدرة المحكمة على أداء دورها الحيوي في تحقيق العدالة للضحايا.
وفي هذا السياق، أكدت ليز إيفنسن، مديرة العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش، أن المحكمة الجنائية الدولية هي “الملاذ الأخير لآلاف الضحايا وعائلاتهم الذين لا يملكون مكانًا آخر لتحقيق العدالة”. وشددت على ضرورة أن تقف الدول معًا لتأكيد التزامها بمحاسبة الجناة.
بينما أكدت العفو الدولية أن الرسالة يجب أن تكون واضحة: “العقوبات الأمريكية يجب أن تعارض لا أن تُسترضى”. وتؤكد المنظمتان على أهمية الحفاظ على العدالة الدولية كركيزة أساسية للنظام العالمي.
من المتوقع أن تستمر المناقشات في جمعية الدول الأطراف حتى السادس من ديسمبر/كانون الأول، مع التركيز بشكل خاص على إيجاد حلول عملية للتخفيف من آثار العقوبات الأمريكية وضمان استمرار عمل المحكمة. وستكون قرارات الجمعية بشأن الميزانية والتعاون بمثابة مؤشر رئيسي على مستقبل المحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على مواجهة التحديات المتزايدة. يبقى من المبكر تحديد ما إذا كانت الدول الأعضاء ستتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه القضايا الحساسة، ولكن من الواضح أن مستقبل المحكمة يعتمد على قدرتها على حشد الدعم الدولي.





