Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

الكِتاب السوري بين زمنين.. كيف تغيّر المشهد الثقافي وواقع النشر؟

منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى سقوط النظام في سورية في كانون الأول/ديسمبر 2024، عانى الكتاب في سورية من قيود الرقابة والخوف. تحوّل النشر خلال فترة حكم الأسدين الأب والابن (1970-2024) إلى مجال يخضع للوصاية السياسية، مع رقابة صارمة على دور النشر وتقييد حرية المؤلفين. انعكس هذا الوضع على المشهد الثقافي العام في البلاد، وأثّر على إنتاج ونشر الكتاب السوري.

تجوّلت الجزيرة نت في شوارع دمشق الثقافية، والتقطت شهادات من أصحاب المكتبات وبائعي الكتب، والنقاد، وأصحاب دور النشر، لرصد أوضاع الكتاب السوري بعد التغييرات التي شهدتها البلاد. تظهر هذه الشهادات تحولات في المشهد الثقافي، لكنها تشير أيضًا إلى تحديات مستمرة تواجه الكتاب والناشرين.

ما بعد السقوط.. الولادة الجديدة للكتاب السوري

طرأت بعض التحولات على واقع الكتاب السوري، خصوصًا في المرحلة التي تلت سقوط النظام. أكد محمد سالم النوري، صاحب مكتبة النوري، وهي من أقدم المكتبات الدمشقية، أن “الواقع الثقافي كان يخضع لرقابة صارمة من قبل مؤسسات الدولة”. وأضاف أن الرقابة كانت تمارس سلطتها على كل ما يُطبع، وحتى الكتب المستوردة كانت تخضع لتدقيق الأجهزة الأمنية.

ويصف النوري كيف كان يتم إخفاء بعض العناوين “خلف الرفوف، وتحت الأدراج، وفي المستودعات”، مع وجود “خوف دائم من المصادرة أو الإغلاق”. ويشير إلى أن المساحة المتاحة للناشر والموزع والقارئ كانت “ضيقة جدًا”.

بعد سقوط النظام، يؤكد النوري أن المشهد “تغيّر جذريًا”، وأن “القيود الرقابية أُزيلت بشكل لافت”، وبدأت الكتب المحظورة سابقًا تعود إلى الواجهة. وأضاف: “أصبح بإمكاننا عرض كتب عن الحركات السياسية، وعن الإسلاميين، وعن الثورة، وأدب السجون، دون خوف من الملاحقة الأمنية”.

وحول الكتب الأكثر طلبًا بعد سقوط النظام، ذكر النوري كتب أدب السجون، مثل كتاب ياسين الحاج صالح، وكتاب “في ظلال القرآن” لسيد قطب، ومذكرات فاروق الشرع، وروايات غابرييل غارسيا ماركيز. ويرجع النوري ضعف تسويق الكتاب السوري داخليًا إلى عدة عوامل، منها ارتفاع تكلفة الطباعة، والوضع الاقتصادي العام، وضعف القوة الشرائية، وقرصنة الكتب، وتوقف رواتب العاملين بالدولة.

مكتبات الرصيف: تعبير عن حرية جديدة

تفتّرت الأرصفة في دمشق بعشرات الكتب المتنوعة، وأشهرها تحت جسر الثورة. شكّلت هذه الظاهرة تحديًا للأجهزة الأمنية السابقة، التي قامت بمصادرة محتويات مكتبات الرصيف. يقول عبد الله خلف الحمدان، بائع كتب على الرصيف منذ أكثر من 30 عامًا، إن الأجهزة الأمنية قامت بمصادرة جميع محتويات مكتبات الرصيف قبل سقوط النظام بأشهر، بذريعة أن الشارع ليس مكانًا لبيع الكتب.

يصف الحمدان نفسه بأنه شاهد على “تبدلات الوعي وأحوال البلاد”. ويقول إن القراء اليوم “متعطشون لفهم ما جرى في المرحلة السابقة”، وأن الكتب الأكثر طلبًا هي كتب التاريخ السياسي لسورية، وكتب عن الحرية، وروايات تحاكي الأوضاع في الداخل السوري.

تحديات تواجه دور النشر

من جهته، يقول وحيد تاجا، مدير المكتب الإعلامي بدار الفكر بدمشق، إن أهم ما تغيّر بعد السقوط هو “عدم وجود كتب ممنوعة”. ويشير إلى أن دار الفكر اضطرت إلى إزالة كتب مثل كتب يوسف القرضاوي، وبرهان غليون، ولؤي الصافي من العرض ووضعها في القبو خلال فترة الرقابة. ويؤكد أن دوريات الأمن كانت تقوم برقابة دورية على دور النشر للتأكد من عدم وجود كتب ممنوعة.

ويضيف تاجا أن التكلفة المرتفعة للطباعة، والوضع الاقتصادي العام، وضعف القوة الشرائية، وقرصنة الكتب، كلها عوامل تعيق تسويق الكتاب السوري. ويشير إلى أن الطبقة التي لديها المال هي القادرة على شراء الكتب، بينما الطبقة المسحوقة تعاني من صعوبات في توفير مستلزمات العيش.

مستقبل الكتاب السوري: آفاق وتحديات

تحدثت الجزيرة نت مع غسان شبارو، مدير النشر والتوزيع في الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت، حول واقع الكتاب السوري بعد سقوط النظام. أشار شبارو إلى انتشار ظاهرة الكتب المزورة أو المصورة بشكل غير نظامي، وأنها تنافس الكتاب السوري وتخفض سوقه. ويعزو ذلك إلى انخفاض تكاليف إنتاج الكتب المزورة.

ويقول شبارو إن الرقابة على المطبوعات لا تزال غير واضحة، وأن إصدار تشريعات تنظم مسألة النشر أمر ضروري. ويؤكد أن حالة الفوضى أو تعدد السلطات لم يؤثر على حرية النشر، لكن الأمور لا تزال ضبابية وتحتاج إلى التجريب.

في الختام، يرى علي سفر، الناقد والباحث السوري المقيم بباريس، أن هناك حاجة إلى دعم الدولة لصناعة الكتاب وتوفير المنح وتعزيز عمل المؤسسات الثقافية. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطورات في التشريعات المتعلقة بالنشر والتوزيع في سورية، مما قد يؤثر على مستقبل الكتاب السوري. يبقى الوضع الاقتصادي والتحديات الأمنية من العوامل الرئيسية التي ستحدد مسار هذه التطورات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى