كاتب اقتصادي: التوسع الاستثماري يحقق عائدًا أعلى من تكلفة التمويل
أكد الدكتور بندر الجعيد، الأكاديمي والكاتب الاقتصادي، أن الاقتراض من أسواق الدين في المملكة العربية السعودية يهدف بشكل أساسي إلى تمويل المشاريع الاستثمارية الطموحة، وليس لتغطية النفقات الجارية أو الرواتب. ويأتي هذا التوضيح في سياق مناقشات حول الميزانية السعودية وتأثيرها على النمو الاقتصادي، حيث يرى الجعيد أن العجز المالي الحالي هو نتيجة للتوسع الاستثماري المدروس الذي يتوقع أن يحقق عوائد تفوق تكلفة التمويل. هذا التصريح يثير تساؤلات حول استراتيجية المملكة في إدارة الدين العام وتأثيرها على الاستقرار المالي.
جاءت تصريحات الجعيد خلال مشاركته في برنامج “يا هلا” على قناة روتانا خليجية، حيث أوضح أن المملكة تسعى إلى تنويع مصادر دخلها وتعزيز مكانتها الاقتصادية على الصعيد العالمي. وتشير هذه التصريحات إلى أن الحكومة السعودية تتبنى رؤية طويلة الأجل للاستثمار، مع التركيز على القطاعات التي تمتلك فيها المملكة ميزات تنافسية واضحة. وتعتبر هذه الرؤية جزءًا من خطة “رؤية 2030” التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة اقتصادية عالمية.
الاستثمار مقابل الاستهلاك: نظرة على الميزانية السعودية
وفقًا للدكتور الجعيد، فإن الفارق الجوهري يكمن في توجيه الأموال المقترضة. فبدلاً من استخدامها لتغطية العجز في الإيرادات الناتجة عن تقلبات أسعار النفط أو لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية، يتم تخصيصها لتمويل مشاريع استراتيجية في قطاعات متنوعة. ويشمل ذلك الاستثمار في البنية التحتية، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والتعدين، وغيرها من القطاعات التي تساهم في تحقيق النمو المستدام.
أهمية قطاع التعدين
أشار الجعيد إلى أن قطاع التعدين يمثل فرصة كبيرة للمملكة، حيث يمكن أن يلعب دورًا حيويًا في سلاسل الإمداد العالمية والصناعات الأخرى. وتتمتع المملكة باحتياطيات كبيرة من المعادن الثمينة والمواد الخام التي يمكن استغلالها لتعزيز الصناعة المحلية وتصدير المنتجات ذات القيمة المضافة. ومع ذلك، يتطلب تطوير هذا القطاع استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتقنية والتدريب.
ميزة المملكة كمركز للبيانات
بالإضافة إلى ذلك، أكد الجعيد أن المملكة تتمتع بمزايا تجعلها مركزًا جذابًا لمراكز البيانات. وتشمل هذه المزايا توفر مصادر الطاقة بتكلفة منخفضة، والموقع الاستراتيجي، والبنية التحتية المتطورة. وتعتبر مراكز البيانات من القطاعات الواعدة التي يمكن أن تساهم في تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاقتصاد الرقمي في المملكة. النمو الاقتصادي يعتمد بشكل كبير على هذه الاستثمارات.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن الاعتماد على الاقتراض لتمويل المشاريع الاستثمارية قد يشكل خطرًا على الاستقرار المالي للمملكة في حالة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أو انخفاض أسعار النفط. ويرون أنه من الضروري تحقيق التوازن بين الاستثمار والإنفاق الرأسمالي والسيطرة على الدين العام. الاستثمارات الحكومية يجب أن تكون مدروسة بعناية.
في المقابل، يرى مؤيدو استراتيجية الاقتراض أن العوائد المتوقعة من المشاريع الاستثمارية ستتجاوز تكلفة التمويل، مما سيؤدي إلى تحسين الوضع المالي للمملكة على المدى الطويل. ويشيرون إلى أن المملكة لديها القدرة على إدارة الدين العام بفعالية، وأنها تتمتع بسمعة جيدة في الأسواق المالية العالمية. السياسة المالية تلعب دورًا حاسمًا في هذا السياق.
وتشير التقارير إلى أن الحكومة السعودية تواصل جهودها لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال الاستثمار في القطاعات غير النفطية وتعزيز القطاع الخاص. وتعتبر هذه الجهود ضرورية لتحقيق النمو المستدام وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين. التنويع الاقتصادي هو هدف رئيسي لرؤية 2030.
من ناحية أخرى، يراقب المستثمرون عن كثب تطورات أسعار النفط وتأثيرها على الإيرادات الحكومية. فقد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى زيادة العجز في الميزانية وتراجع النمو الاقتصادي. ومع ذلك، تتوقع الحكومة السعودية أن تساهم المشاريع الاستثمارية في تعويض أي نقص في الإيرادات النفطية.
في الختام، من المتوقع أن تستمر المملكة في الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية وتنويع مصادر دخلها، مع التركيز على القطاعات التي تمتلك فيها ميزات تنافسية واضحة. وستظل إدارة الدين العام ومراقبة أسعار النفط من التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومة السعودية في الفترة المقبلة. ومن المقرر أن يتم الإعلان عن تفاصيل الميزانية العامة للعام 2026 في نهاية العام الحالي، مما سيوفر المزيد من الوضوح حول استراتيجية المملكة المالية والاقتصادية.