مستقبل بلا نقود.. ماذا تعرف عن المدفوعات بدون تلامس؟

يشهد العالم تحولا سريعا في إدارة المال والدفع مدفوعا بالتقدم التكنولوجي والمخاوف الصحية بعد الجائحة. ومع توسع الهواتف الذكية والأجهزة القابلة للارتداء برز “الاقتصاد بدون تلامس” كأحد أهم الاتجاهات التي تعيد تشكيل مشهد التجارة العالمية، إذ يتجاوز الاستعاضة عن النقد بالبطاقات ليشمل منظومة متكاملة تعتمد على تقليل التلامس وتسريع العمليات وتحسين تجربة المستهلكين.
وتشير التقديرات إلى أن حجم سوق المدفوعات الرقمية ينمو بشكل مطرد في جميع أنحاء العالم مدفوعًا بالطلب المتزايد على الراحة والأمان، فضلاً عن السياسات الحكومية التي تشجع على التحول الرقمي. وتسعى الحكومات والمؤسسات المالية في المنطقة العربية على وجه الخصوص إلى تبني هذه التقنيات لتحديث البنية التحتية المالية وتعزيز النمو الاقتصادي.
ما هو الاقتصاد بدون تلامس؟
يشير مصطلح “الاقتصاد بدون تلامس” إلى نظام تفاعلي يعتمد على إتمام المعاملات والخدمات بأقل قدر ممكن من التلامس الجسدي، وذلك من خلال استخدام تقنيات رقمية متقدمة. هذا التحول لا يقتصر على استبدال النقد بالبطاقات، بل يشمل مجموعة واسعة من الحلول مثل المحافظ الإلكترونية والمدفوعات عبر الهاتف المحمول وتقنية “إن إف سي” (Near Field Communication).
وقد ساهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع هذا التحول، حيث أدت إلى زيادة الوعي بأهمية النظافة والسلامة وتفضيل المستهلكين للخيارات الرقمية لتجنب التعامل مع الأسطح الملوثة.
كم يبلغ حجم سوق الدفع بدون تلامس العالمي؟
أظهرت دراسة حديثة لصحيفة وول ستريت جورنال أن قيمة المدفوعات بدون تلامس تضاعفت ثلاث مرات لتصل إلى حوالي 6 تريليونات دولار أمريكي في عام 2024، مقارنة بنحو 2 تريليون دولار في عام 2020. يشمل هذا النمو المدفوعات عبر الإنترنت، بالإضافة إلى المعاملات التي تتم في المتاجر باستخدام تقنية الاتصال قريب المدى.
وتشير تقارير شركة جونيبر للأبحاث إلى أن هذا الاتجاه سيستمر في الازدياد، مع توقعات بتضاعف حجم المعاملات غير النقدية بنسبة كبيرة خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة مع زيادة انتشار المحافظ الرقمية والتطبيقات المصرفية عبر الهاتف.
ما أسباب التحول نحو الدفع بدون تلامس؟
هناك عدة عوامل تدفع نحو هذا التحول، أهمها السرعة والراحة التي توفرها هذه التقنيات. فبدلاً من البحث عن النقود أو إدخال أرقام البطاقات، يمكن للمستهلكين إتمام عمليات الدفع ببساطة عن طريق تقريب هواتفهم أو بطاقاتهم من جهاز الدفع.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المدفوعات بدون تلامس أكثر أمانًا من النقد، حيث يتم تشفير البيانات وتوفير حماية ضد الاحتيال. كما أن الحكومات والبنوك تلعب دورًا هامًا في تشجيع هذه المدفوعات، من خلال تقديم حوافز وتسهيلات للشركات والمستهلكين.
أنواع الدفع بدون تلامس
تتنوع طرق الدفع بدون تلامس، وتشمل:
- المحافظ الإلكترونية: مثل Apple Pay و Google Pay و Samsung Pay.
- تطبيقات الهواتف الذكية: التي تسمح بإرسال واستقبال الأموال عبر الإنترنت.
- البطاقات بدون تلامس: المزودة بتقنية “إن إف سي” أو “آر إف آي دي”.
- رموز الاستجابة السريعة (QR codes): التي يمكن مسحها باستخدام كاميرا الهاتف لإتمام الدفع.
مستقبل الدفع بدون تلامس في العالم العربي
تشهد الدول العربية، وخاصة دول الخليج، نموًا سريعًا في قطاع المدفوعات الرقمية. ووفقًا لشركة كوجنيتيف ماركت ريسيرش، بلغ حجم سوق الدفع بدون تلامس في دول مجلس التعاون الخليجي 255.22 مليون دولار في عام 2024، مع توقعات بنمو سنوي قدره 5.5%.
ويعزى هذا النمو إلى عدة عوامل، منها ارتفاع معدل انتشار الهواتف الذكية وزيادة الوعي بأهمية المدفوعات الرقمية. كما أن الحكومات في المنطقة تتبنى استراتيجيات طموحة لتعزيز التحول الرقمي وتحقيق رؤية اقتصادية مستدامة.
وفي مصر والأردن ودول أخرى، يشهد قطاع المدفوعات الرقمية أيضًا تطورات ملحوظة، مدفوعة بزيادة عدد الشركات الناشئة التي تقدم حلولًا مبتكرة في هذا المجال.
ومع استمرار هذا التوجه، من المتوقع أن يصبح الدفع بدون تلامس هو المعيار السائد في المنطقة العربية، مما سيساهم في تحسين كفاءة النظام المالي وتعزيز الشمول المالي.
على المدى القصير والمتوسط، يمكن توقع زيادة المنافسة بين الشركات التي تقدم خدمات الدفع الرقمي، وتقديم المزيد من الحلول المبتكرة لتلبية احتياجات المستهلكين والشركات. كما سيتم التركيز على تعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات، لضمان ثقة المستخدمين في هذه التقنيات.





