الرحيل أو غزو فنزويلا .. كيف نفهم موقف ترامب من مادورو؟

أثارت مكالمة هاتفية حديثة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والفنزويلي نيكولاس مادورو، والتي كشفت عنها صحيفة “ميامي هيرالد” ووكالة رويترز، تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين واحتمالات تدخل أميركي عسكري في فنزويلا. ووفقًا للتقارير، طلب ترامب من مادورو الاستقالة ومغادرة البلاد، لكن المكالمة لم تسفر عن نتيجة، مما زاد من التوتر في المنطقة.
جرت المكالمة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأكدت رويترز أن مادورو تجاهل مهلة حددها له ترامب للرحيل. وعرض مادورو، مقابل ضمانات أمنية ورفع العقوبات، مغادرة البلاد، بالإضافة إلى طلبات تتعلق بمستقبل حكومة مؤقتة وانتخابات جديدة. لكن ترامب رفض معظم هذه الشروط، وأمهل مادورو أسبوعًا واحدًا للمغادرة، قبل أن يعلن عن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي.
الوضع في فنزويلا وتصعيد التوترات
يمثل إغلاق المجال الجوي الفنزويلي تصعيدًا كبيرًا في الضغط الأميركي على نظام مادورو، ويشير إلى استعداد واشنطن لتوسيع نطاق عملياتها في المنطقة. وتأتي هذه الخطوة في سياق سلسلة من التحركات العسكرية الأميركية في محيط فنزويلا والبحر الكاريبي خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك توجيهات باستخدام القوة ضد عصابات المخدرات وتنفيذ ضربات جوية وبحرية.
بدأت هذه التحركات في أغسطس/آب الماضي بتوقيع ترامب توجيهًا سريًا يسمح للبنتاغون باستخدام القوة العسكرية ضد عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية. وتصاعدت العمليات العسكرية في سبتمبر/أيلول، مع شن ضربات ضد قوارب يُزعم أنها تحمل مخدرات في البحر الكاريبي، مما أثار جدلاً قانونيًا حول استهداف المدنيين.
“عملية الرمح الجنوبي” والانتشار العسكري
وصلت التوترات إلى ذروتها مع إطلاق “عملية الرمح الجنوبي” في نوفمبر/تشرين الثاني، والتي تهدف إلى “الدفاع عن الوطن” و”إخراج إرهابيي المخدرات” من المنطقة. وقد شملت هذه العملية انتشارًا بحريًا واسع النطاق، بما في ذلك حاملة الطائرات جيرالد آر. فورد وعدد كبير من السفن الحربية والغواصات النووية. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 25% من الأصول البحرية الحربية الأميركية المنتشرة عالميًا تتمركز حاليًا بالقرب من سواحل فنزويلا.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت الولايات المتحدة أسرابًا من طائرات “إف-35” وقاذفات “بي-1 لانسر” و”بي-52″ في المنطقة، وقامت بتحديث البنية التحتية العسكرية، وإعادة فتح قاعدة روزفلت روز البحرية في بورتوريكو. وتشير هذه التحركات إلى استعداد أميركي كبير للتدخل العسكري في فنزويلا، إذا لزم الأمر.
العقوبات والتصنيف الإرهابي
تزامن التصعيد العسكري مع تشديد الخطاب السياسي والعقوبات القانونية ضد نظام مادورو. وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت وزارة العدل الأميركية عن مضاعفة مكافأة الإدلاء بمعلومات تؤدي إلى القبض على مادورو، بالإضافة إلى مكافآت لمسؤولين حكوميين آخرين متهمين بالاتجار بالمخدرات.
الأهم من ذلك، صنفت الإدارة الأميركية كارتل دي لوس سولس، الذي يُزعم أنه يضم مادورو وكبار المسؤولين الفنزويليين، كمنظمة إرهابية أجنبية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني. ويمنح هذا التصنيف ترامب سلطة أوسع لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد فنزويلا دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس، ويضع قيودًا إضافية على النظام الفنزويلي.
سيناريوهات التدخل المحتمل
في ظل هذه التطورات، يطرح المراقبون عدة سيناريوهات محتملة للتدخل الأميركي في فنزويلا. أحد السيناريوهات هو استمرار الضغوط الحالية من خلال العقوبات والعمليات العسكرية المحدودة، بهدف إضعاف نظام مادورو وإجباره على تقديم تنازلات. سيناريو آخر هو شن ضربات جوية وصاروخية محدودة ضد أهداف عسكرية في فنزويلا، بهدف تعطيل قدرة النظام على المقاومة. أما السيناريو الأكثر تطرفًا فهو غزو عسكري شامل، يليه احتلال طويل الأمد وعمليات مكافحة تمرد.
من المرجح أن ترد فنزويلا على أي تدخل أميركي من خلال إستراتيجيات “المقاومة المطولة” و”الفوضى”، والتي تعتمد على حرب العصابات وعرقلة العمليات الأميركية. ويشير المحللون إلى أن الجيش الفنزويلي قد يواجه صعوبات في مواجهة القوات الأميركية المتفوقة، لكن المقاومة الشعبية قد تكون عنيفة ومستمرة.
مستقبل الأزمة
لا يزال مستقبل الأزمة في فنزويلا غير واضح. من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على نظام مادورو، وقد تتخذ إجراءات إضافية إذا لم يتحقق تقدم في المفاوضات. في الوقت نفسه، من المرجح أن تسعى فنزويلا إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الصديقة، مثل الصين وروسيا، للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي.
ما يجب مراقبته في الفترة المقبلة هو تطورات المفاوضات المحتملة بين واشنطن وكراكاس، ورد فعل الجيش الفنزويلي على أي تصعيد عسكري أميركي، وتأثير العقوبات على الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد. كما أن رد فعل المجتمع الدولي، وخاصة دول أميركا اللاتينية، سيكون حاسمًا في تحديد مسار الأزمة. الوضع في فنزويلا يظل متقلبًا، ويتطلب متابعة دقيقة وتحليلًا متعمقًا.





