كاتب إسباني: إقصاء اليمين المتطرف في أوروبا ليس الحل لكشف زيف شعاراته

يشهد المشهد السياسي الأوروبي تحولات ملحوظة مع صعود الأحزاب اليمينية، مما يثير تساؤلات حول أفضل السبل للتعامل معها. يرى مراقبون أن تجاهل هذه الأحزاب أو إقصاؤها ليس حلاً فعالاً، بل قد يكون من الأجدى إشراكها في الحوار السياسي بهدف فضح هشاشة برامجها وعدم قدرتها على تقديم حلول واقعية للمشاكل التي تواجه القارة. هذا النهج، وإن كان مثيراً للجدل، قد يساهم في الحد من تأثير اليمين المتطرف.
تأتي هذه المناقشات في ظل نتائج انتخابية متزايدة للأحزاب اليمينية في دول أوروبية مختلفة، مما يجعلها قوة لا يمكن تجاهلها في البرلمانات والحكومات. وتشير تحليلات إلى أن استمرار سياسة الإنكار قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة وزيادة شعبية هذه الأحزاب، بينما قد يكشف الحوار عن تناقضات في أيديولوجياتها.
جدل حول التعامل مع اليمين المتطرف في أوروبا
أثار مقال للكاتب رامون غونزاليس فيريز في صحيفة “إل كونفيدينسيال” الإسبانية جدلاً واسعاً حول كيفية التعامل مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا. واقترح فيريز أن محاولة استيعاب هذه الأحزاب في النظام السياسي، بدلاً من إقصائها، قد تكون أكثر فعالية في كشف زيف شعاراتها.
ويستند هذا الطرح إلى فكرة أن الحوار المباشر يمكن أن يبرز الفجوة بين الخطاب السياسي لهذه الأحزاب والواقع العملي، مما يقلل من جاذبيتها لدى الناخبين. لكن هذا لا يعني منحها صلاحيات أو السماح لها بتحديد مسار السياسات، بل إتاحة الفرصة لإظهار عجزها عن تقديم حلول حقيقية.
مثال من ألمانيا
يعتبر فيريز أن الخطوة التي اتخذها “اتحاد الشركات العائلية” في ألمانيا، بدعوة نواب من حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) إلى اجتماع في البرلمان، مثالاً مهماً على هذا النهج. وقد أثارت هذه الدعوة صدمة في الأوساط السياسية الألمانية، لكن رئيسة الاتحاد، ماري كريستين أوسترمان، دافعت عنها مؤكدة أن تجاهل الحزب ليس خياراً مطروحاً.
وأوضحت أوسترمان أن الاتحاد يرفض رؤية الحزب للعالم، لكنه يرى أنه من الضروري الحوار معه لفهم مواقفه وكشف التناقضات فيها. وقالت إن الحزب حصد حوالي 25% من الأصوات في الانتخابات، مما يجعل من المستحيل تجاهله.
ويرى محللون أن هذا التحول في الموقف الألماني يعكس قلقاً متزايداً بشأن الوضع الاقتصادي في البلاد، وتحديات المنافسة الصينية، وتراجع القدرة التصديرية. كما أنه يعكس خيبة أمل في أداء الحكومة الحالية وعدم قدرتها على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
تغيرات في المشهد السياسي الأوروبي
لا يقتصر هذا التوجه على ألمانيا، بل يظهر أيضاً في دول أوروبية أخرى. ففي إسبانيا، لم يتردد حزب الشعب في تشكيل ائتلافات مع حزب “فوكس” اليميني في بعض المجالس البلدية والحكومات الإقليمية. هذه التحالفات تشير إلى أن اليمين المتطرف أصبح جزءاً لا يتجزأ من المؤسسات السياسية في أوروبا.
وتشير تقارير إلى أن هذه الأحزاب تستفيد من حالة الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومن مخاوف الناس بشأن الهجرة والأمن. كما أنها تستغل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها والتواصل مع الناخبين.
وتشكل قضايا مثل الهجرة واللاجئين، والتغير المناخي، والسيادة الوطنية، نقاطاً رئيسية في برامج هذه الأحزاب. وتعتمد على خطاب شعبوي يركز على الهوية الوطنية والمصالح المحلية، وغالباً ما يتضمن انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية.
مستقبل التعامل مع اليمين المتطرف
من المتوقع أن يستمر الجدل حول أفضل السبل للتعامل مع اليمين المتطرف في أوروبا. ويرى البعض أن الحوار قد يمنح هذه الأحزاب شرعية لا تستحقها، بينما يرى آخرون أنه ضروري لفهم مواقفها وكشف زيفها.
ويبدو أن هناك اتجاهاً متزايداً نحو تبني نهج أكثر واقعية، يعترف بأن هذه الأحزاب تمثل قوة سياسية لا يمكن تجاهلها. لكن هذا لا يعني الاستسلام لأفكارها أو التنازل عن المبادئ والقيم الأساسية.
في الأشهر القادمة، ستكون الانتخابات الأوروبية بمثابة اختبار حقيقي لمدى قوة هذه الأحزاب وقدرتها على التأثير في السياسات الأوروبية. وسيكون من المهم مراقبة تطورات المشهد السياسي في الدول الأوروبية المختلفة، وتحليل الخطابات والمواقف السياسية للأحزاب اليمينية، وتقييم تأثيرها على الرأي العام.





