تحدّيات تواجه الحريات في سوريا بعد عام من انتصار الثورة

دمشق- تُعدّ الحريات الإعلامية والمدنية والثقافية والسياسية من المؤشرات الأساسية لتقييم مدى الاستقرار في مرحلة انتقالية، وضرورية لبناء دولة قوية واقتصاد مزدهر ومجتمع متماسك. فما هو واقع هذه الحريات في سوريا بعد عام على إعلان الحكومة انتهاء الأزمة؟ يرى مراقبون أن تحقيق الاستقرار والعدالة يتطلب خطوات ملموسة نحو توسيع هذه الحريات وضمان ممارستها بشكل كامل.
تُمثل حرية العمل المدني ركيزة أساسية لتمكين المجتمع من معالجة قضاياه والتعبير عن احتياجاته، خاصة بعد سنوات من القيود التي فرضت على السوريين. ويشير خبراء إلى أن تعزيز دور المجتمع المدني يساهم في بناء الثقة بين المواطنين والدولة، ويساعد في تحقيق التنمية المستدامة.
واقع الحريات في سوريا بعد عام على “الانتصار”
يقول واصل حمادة، أحد مؤسسي مبادرة “خيم الحقيقة”، إن العمل المدني في سوريا لا يزال في مراحله الأولى، وأن الطريق أمامه طويل وصعب. ويضيف أن هذا التحدي مفهوم بالنظر إلى الرقابة الشديدة التي خضع لها هذا المجال لعقود، وارتباط العديد من المؤسسات السابقة بالنظام السابق.
وتشهد سوريا تحولات ملحوظة في المشهد السياسي والإعلامي، حيث بدأت تظهر مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز الحريات والتعبير عن الآراء.
بعد عام من التحرير.. هل حققت الحكومة السورية ما يكفي للسلم الأهلي والعدالة الانتقالية؟ pic.twitter.com/DsWSEIFTXw
— SyriaNow – سوريا الآن (@AJSyriaNow) December 4, 2025
ويؤكد حمادة أن هناك تغيراً كبيراً في طبيعة الاحتجاجات والمظاهرات، حيث أصبح السوريون قادرين على التعبير عن آرائهم دون الحاجة إلى موافقات رسمية، كما حدث في احتجاجات دمشق خلال أحداث السويداء في يوليو/تموز الماضي. إلا أنه يحذر من وجود خطاب تعبئة وطائفي متجذر، ويتطلب اتخاذ إجراءات رادعة لمواجهته.
من جهته، أوضح عبد الله سلوم، الناشط المدني في حراك كفرنبل، أن أحد أبرز المكاسب التي تحققت هو ترسيخ حرية التعبير. وبينما كانت اعتقالات الصحفيين بسبب آرائهم السياسية شائعة في الماضي، يشير سلوم إلى أن الوضع الحالي يشهد تحسناً ملحوظاً، حتى بالنسبة لأولئك الذين يعبرون عن مواقف متطرفة أو معارضة.
التحديات التي تواجه الحريات
يشير المراقبون إلى أن هناك عدة تحديات تواجه عملية تعزيز الحريات في سوريا، أبرزها:
- غياب الإطار الدستوري الكامل الذي يحدد شكل النظام السياسي وحقوق المواطنين.
- ضعف المؤسسات المدنية وصعوبة الوصول إلى التمويل اللازم لعملها.
- انتشار الخطاب المتطرف والطائفي الذي يهدد السلم الأهلي.
ويؤكد سلوم أن غياب الأحزاب السياسية المنظمة يساهم في عدم استقرار المشهد السياسي، ويجعل التأثير السياسي عشوائياً. ويرى أن بناء أحزاب ونقابات قوية ببرامج واضحة هو ضروري لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ويشير الصحفي أحمد بريمو، مؤسس منصة “تأكد”، إلى أن هناك تقدماً واضحاً في مستوى الحريات الإعلامية، وأن سوريا تشهد عودة للعديد من المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية. ويضيف أن هذا التقدم يعكس رغبة السوريين في التعبير عن آرائهم وكشف الحقائق.
ومع ذلك، يحذر بريمو من أن غياب الضوابط القانونية للحريات قد يفتح المجال أمام انتشار خطاب الكراهية والممارسات المنافية لمبادئ العمل الصحفي. ويشدد على ضرورة وضع قوانين تنظم العمل الإعلامي وتحمي حقوق الصحفيين.
الخطوات المستقبلية نحو تعزيز الحريات
يتفق المراقبون على أن تعزيز الحريات في سوريا يتطلب اتخاذ عدة خطوات، بما في ذلك:
- إقرار دستور جديد يضمن حقوق المواطنين وحرياتهم.
- سن قوانين تنظم العمل المدني والإعلامي وتضمن استقلالية القضاء.
- تعزيز دور المجتمع المدني وتمكينه من ممارسة دوره بشكل كامل.
- مكافحة الخطاب المتطرف والطائفي وتعزيز قيم التسامح والتعايش.
وتشير التقديرات إلى أن الحكومة السورية قد تبدأ في صياغة مشروع دستور جديد في الأشهر القادمة، وأن هذا المشروع سيشكل نقطة تحول في عملية الانتقال السياسي. ومن المتوقع أن يشهد هذا المشروع نقاشاً واسعاً بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في سوريا.
يبقى المشهد السياسي في سوريا معقداً وغير مستقر، ويتطلب جهوداً مضاعفة لتحقيق الاستقرار والعدالة. وسيكون من الضروري مراقبة التطورات السياسية والقانونية عن كثب، وتقييم مدى التزام الحكومة بتعزيز الحريات وحقوق الإنسان.





