إستراتيجية ترامب الجديدة.. كيف تحافظ أميركا على أمنها القومي؟

نشرت إدارة الرئيس الأميركي، يوم الجمعة الموافق 5 ديسمبر 2025، وثيقة الأمن القومي الجديدة، والتي تعكس تحولًا ملحوظًا في الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة. وتأتي الوثيقة في إطار رؤية “أميركا أولًا” التي يتبناها الرئيس، وترسم خطوطًا جديدة للعلاقات مع القوى الكبرى والإقليمية حول العالم. وتهدف الإستراتيجية إلى إعادة تحديد مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي المتغير.
وتركز الوثيقة على عدة مناطق رئيسية، بما في ذلك أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا، مع تقديم تقييمات مختلفة وتوصيات محددة لكل منطقة. وتعكس هذه التقييمات نظرة ترامب للعالم، والتي تتسم بالتركيز على المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة.
نظرة جديدة على الأمن الأوروبي
تنتقد الوثيقة بشدة الاتجاهات الديموغرافية في أوروبا، معربة عن قلقها بشأن تأثير الهجرة على الهوية الثقافية للقارة. وتشير الإستراتيجية إلى أن التغيرات السكانية قد تؤدي إلى تراجع النفوذ السياسي والاجتماعي للدول الأوروبية التقليدية، وهو ما يثير مخاوف في واشنطن.
وعلاوة على ذلك، تعرب الوثيقة عن تحفظات بشأن بعض السياسات الأوروبية المتعلقة بتقييد حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية، معتبرةً أنها تتعارض مع القيم الديمقراطية التي تدافع عنها الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك تأكيد على عدم وجود أي توسيع لحلف شمال الأطلسي.
التأثير على حلف الناتو
وتدعو الإستراتيجية الدول الأوروبية إلى “تنمية المقاومة” في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وهو تعبير أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الدبلوماسية. وتؤكد الوثيقة على أهمية تعزيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين؛ ولكنها في الوقت ذاته تشير إلى أهمية تقاسم الأعباء بشكل أكبر.
إعادة صياغة العلاقات مع آسيا
تعتبر الإستراتيجية الصعود الاقتصادي للصين تحديًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، وتسعى إلى إعادة موازنة العلاقات الاقتصادية مع بكين من خلال التركيز على المعاملة بالمثل والإنصاف. وهذا الهدف يتطلب، وفقًا للوثيقة، حماية المصالح الاقتصادية الأمريكية وتعزيز القدرة التنافسية للشركات الأمريكية في الأسواق العالمية. وتتضمن استراتيجية الأمن القومي أيضًا الدفع نحو علاقات أقوى مع الهند.
وتركز الوثيقة على منع أي قوة “خارج النصف الغربي للكرة الأرضية” من امتلاك أصول استراتيجية حيوية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتتعلق هذه النقطة بشكل خاص بالمخاوف الأمريكية من التوسع الصيني في المنطقة.
قضية تايوان والتعاون الإقليمي
فيما يتعلق بـتايوان، تؤكد الوثيقة على التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على الوضع القائم. ومع ذلك، فإنها تدعو اليابان وكوريا الجنوبية إلى المساهمة بشكل أكبر في ضمان الدفاع عن تايوان، في إشارة إلى أهمية التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة. وتُعتبر هذه الدعوة بمثابة محاولة لتشجيع الدول الحليفة على تحمل المزيد من المسؤولية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
التركيز المتغير في الشرق الأوسط وأفريقيا
تشير الإستراتيجية إلى أن الشرق الأوسط قد يشهد تراجعًا في الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك بسبب زيادة الاستقلال في مجال الطاقة وتراجع نفوذ إيران. وبالرغم من هذه التطورات، تؤكد الوثيقة على ضرورة ضمان أمن إسرائيل، ولكنها لا تخصص لها نفس القدر من الاهتمام الذي كانت تتلقاه في السابق. وهذا التحول يعكس، جزئيًا، رغبة الإدارة في التركيز على القضايا الداخلية والتحديات الاقتصادية.
بالنسبة لأفريقيا، تدعو الإستراتيجية إلى الانتقال من نموذج المساعدات التقليدي إلى التركيز على ضمان الوصول إلى الموارد الحيوية. وهذا التوجه يعكس رؤية براغماتية للعلاقات مع القارة الأفريقية، والتي تركز على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة. وتشير الوثيقة إلى أن العلاقات مع أفريقيا يجب أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل والشراكة المستدامة.
أمريكا اللاتينية ومبدأ مونرو المُحدَّث
تعتزم إدارة الرئيس ترامب تحديث “مبدأ مونرو” الذي يعود إلى عام 1823، والذي يهدف إلى منع التدخل الأجنبي في شؤون أمريكا اللاتينية. وتهدف هذه النسخة الجديدة، وفقًا للإستراتيجية، إلى ضمان استقرار الدول في المنطقة وتقليل الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. ويعتمد هذا التحديث على تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الأمريكية اللاتينية، مع التركيز على المصالح المشتركة والأمن الإقليمي. وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول مدى تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
من المتوقع أن تخضع هذه الإستراتيجية لمراجعة شاملة في غضون عام، مع الأخذ في الاعتبار التطورات الجيوسياسية والاقتصادية المتغيرة. وستراقب الأوساط الدبلوماسية عن كثب مدى تنفيذ الإدارة لهذه التوصيات وكيف ستؤثر على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول العالم. كما سيتم التركيز على مدى قدرة الإدارة على تحقيق أهدافها المعلنة في ظل البيئة الدولية المعقدة، بما في ذلك التوترات التجارية والصراعات الإقليمية والتحديات الأمنية المتزايدة. ويبقى مستقبل الأمن القومي – وهيكلة العلاقات الدولية – موضوعًا للكثير من التحليل والنقاش.





