عائلات ضحايا سوريين تلاحق الأسد قضائيا في الأرجنتين

قدّم محامون وعائلات ضحايا جرائم في سوريا شكوى جنائية أمام القضاء الأرجنتيني، متهمين الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد ومسؤولين كباراً في نظامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتتركز هذه الشكوى بشكل خاص على قضية الاختفاء القسري، بما في ذلك اختطاف الأطفال وتغيير هوياتهم، وهو ما يمثل تطوراً هاماً في الجهود الدولية لملاحقة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية السورية.
جاء تقديم الشكوى في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأعلن عنه البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) يوم أمس الثلاثاء. وتطالب الشكوى بفتح تحقيق شامل حول مسؤولية القيادة السورية عن هذه الجرائم، وتعتمد على مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتبناه القانون الأرجنتيني.
الشكوى الجنائية وتفاصيل الاختفاء القسري في سوريا
تركز الشكوى بشكل رئيسي على جريمة الاختفاء القسري للأطفال، والتي تشمل الاحتجاز التعسفي، والفصل عن العائلات، والإخفاء المتعمد للهوية ومكان الإقامة. يُعتبر هذا النوع من الانتهاكات من بين الأكثر خطورة، حيث يحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية ويؤثر بشكل مدمر على حياتهم ومستقبلهم.
الأسس القانونية للشكوى
تستند الشكوى إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح للأرجنتين بمحاكمة الأفراد المتورطين في جرائم الحرب والإبادة الجماعية بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجناة أو الضحايا. وتنص المادة 118 من الدستور الأرجنتيني على هذا الاختصاص المطلق. وقد سبق للقضاء الأرجنتيني أن فتح تحقيقات في قضايا مماثلة تتعلق بجرائم ارتكبت في ميانمار وفنزويلا ونيكاراغوا.
بالإضافة إلى ذلك، يذكر البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) أن الشكوى تقدم بدعم قانوني من مكتب دوريو للمحاماة الأرجنتيني، المتخصص في القانون الجنائي الدولي. وشارك في تقديم الشكوى أيضاً رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، ورابطة ميثاق الحقيقة والعدالة، مما يعكس التعاون بين مختلف المنظمات الحقوقية السورية والأرجنتينية.
الأهم من ذلك، تشير بعض الوثائق المتاحة إلى دور محتمل لأسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، في الإشراف على توجيه الأطفال الذين تم اعتقالهم مع أهاليهم إلى مؤسسات رعاية مختلفة، وغالباً ما يتم ذلك مع تغيير هوياتهم وقطع صلتهم بعائلاتهم. وهذه الادعاءات تضيف بعداً جديداً إلى الشكوى وتستدعي تحقيقاً دقيقاً.
وقد وثّقت تقارير حقوقية متعددة حالات اختفاء الأطفال وتغيير هوياتهم خلال سنوات الثورة السورية. غالباً ما يتم نقل هؤلاء الأطفال إلى مراكز رعاية غير رسمية، حيث يتم تغيير أسمائهم وتسجيلهم بهويات جديدة، مما يجعل من الصعب على عائلاتهم العثور عليهم وإعادة لم شملهم.
في السنوات الأخيرة، شهدت جهود ملاحقة الرئيس الأسد تطورات متزايدة. ففي عام 2017، قبل مكتب المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية شكوى تتهم الأسد وشقيقه ماهر، بالإضافة إلى 126 شخصية أمنية، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كما يعتبر القضاء الفرنسي الأكثر نشاطاً في هذه الجهود، حيث أصدر قضاة تحقيق مذكرات توقيف دولية بحق الأسد بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية عام 2013. هذه الجهود تؤكد على التزام المجتمع الدولي بإنصاف الضحايا ومحاسبة المسؤولين. (العدالة الانتقالية هي موضوع ذي صلة)
انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا لا تقتصر على الاختفاء القسري، وتشمل أيضاً التعذيب والاغتصاب والقتل خارج نطاق القانون. وقد وثّقت العديد من المنظمات الدولية هذه الانتهاكات وأدانتها بشدة، مطالبة بفتح تحقيق مستقل ومحاكمة المسؤولين.
وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال العقبات كبيرة في طريق تحقيق العدالة في سوريا. فإمكانية القبض على الأسد ومحاكمته تظل محدودة، نظراً لسيطرته على السلطة في سوريا ودعمه من قبل بعض الدول. (المحكمة الجنائية الدولية قد تكون مجدية في المستقبل)
الخطوة التالية المتوقعة هي أن يقوم القضاء الأرجنتيني بدراسة الشكوى المقدمة وتقييم ما إذا كانت هناك أدلة كافية لفتح تحقيق رسمي. تعتبر هذه العملية معقدة وطويلة، وقد تستغرق شهوراً أو سنوات قبل اتخاذ أي قرار.
من المهم مراقبة رد فعل الحكومة السورية على هذه الشكوى، وكذلك موقف الدول الأخرى المعنية بالقضية السورية. كما يجب متابعة تطورات التحقيقات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية وفرنسا، لمعرفة ما إذا كانت ستؤدي إلى أي نتائج ملموسة. من المستبعد أن تكون هناك تطورات سريعة، ولكن هذه الشكوى تمثل خطوة هامة نحو تحقيق العدالة للضحايا.




