تسريح جماعي يخيّم على مشروع “سيماندو” العملاق في غينيا

بينما احتفلت الحكومة الغينية قبل أسابيع بإطلاق مشروع “سيماندو” الضخم لاستخراج خام الحديد، والذي يعد من أكبر مشاريع التعدين في أفريقيا، يواجه آلاف العمال خطر فقدان وظائفهم مع بدء عمليات الإنتاج الفعلي. هذا التطور يطرح تساؤلات حول الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على هذا المشروع الضخم، ويدعو إلى دراسة متأنية لكيفية توزيع الثروة وتحقيق التنمية المستدامة في غينيا.
أعلن الرئيس الانتقالي مامادي دومبويا عن بدء العمل في منجم سيماندو في نوفمبر الماضي، مع وصفه بأنه “يوم تاريخي” و”بداية حقبة جديدة” من الازدهار الاقتصادي لغينيا. ويأمل المشروع، الذي تديره شركة ريو تينتو بالتعاون مع كونسورتيوم وينينغ الصيني، في إنتاج حوالي 120 مليون طن من خام الحديد سنويًا، لتلبية جزء كبير من الطلب العالمي المتزايد.
مشروع “سيماندو” وخطة التوظيف: تحديات التحول
خلال عامي 2024 و2025، بلغ عدد العاملين في المشروع، بما في ذلك مراحل البناء والتجهيز، أكثر من 60 ألف شخص، أغلبهم من الغينيين. هذا العدد الكبير من الوظائف ساهم بشكل ملحوظ في تحسين الظروف المعيشية للعديد من الأسر في المناطق المحيطة بالمنجم. لكن مع الانتقال إلى مرحلة التشغيل، تقلصت الحاجة إلى العمالة بشكل كبير، حيث تشير التقديرات إلى أن المشروع يحتاج الآن إلى أقل من 15 ألف عامل فقط.
هذا الانخفاض الحاد في فرص العمل أدى بالفعل إلى تسريح الآلاف من العمال في مناطق مثل دانتيليا وكامارا. بينما يخشى آخرون من فقدان وظائفهم في المستقبل القريب. وقد أثار هذا الوضع مخاوف من تصاعد التوترات الاجتماعية، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلاد.
تأثيرات اجتماعية محتملة
حذرت مصادر في القطاع من أن التسريح المفاجئ للعمال قد يؤدي إلى احتجاجات شعبية وعرقلة حركة السكك الحديدية، وهو ما قد يعيق عمليات الإنتاج والتصدير. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ نفوق ماشية بالقرب من مسارات القطارات، مما زاد من استياء المجتمعات المحلية. تفاقمت هذه المشكلات بسبب تقارير عن حوادث عمل وفيات بين العمال والسكان المحليين خلال فترة الإنشاء.
الخطط الحكومية والتحديات المستقبلية
اعترف وزير المناجم بونا سيلا بصعوبة الوضع، مشيرًا إلى أن فقدان مصدر الدخل هو أمر صعب على المتضررين. وأكد أن الحكومة تعمل على إطلاق مشاريع بنية تحتية جديدة، بما في ذلك طرق ومصافي ومحطات كهرباء، بهدف خلق فرص عمل بديلة. وتشمل هذه المشاريع خطة “غينيا 2040” الطموحة، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد من خلال الاستثمار في قطاعات الزراعة والتعليم والتكنولوجيا، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 200 مليار دولار.
ومع ذلك، لا تزال التفاصيل المتعلقة بجدول زمني محدد لهذه المشاريع غائبة، مما يثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على الاستجابة السريعة لاحتياجات العمال المتضررين. تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن تأثير “سيماندو” على تقليل الفقر قد يكون محدودًا، بل قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية، خاصة في المناطق الريفية، إذا لم تتم إدارة الفوائد بشكل عادل وشفاف. الاستثمار الأجنبي المباشر، وتطوير البنية التحتية والتعليم، والفرص الاقتصادية المحلية، كلها عوامل مهمة ولكنها ليست كافية في حد ذاتها.
مستقبل “سيماندو” والتنمية في غينيا
بعد ثلاثة عقود من الاستكشاف والتحضير، يبقى السؤال الرئيسي: هل سيساهم مشروع “سيماندو” في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في غينيا، أم سيظل مجرد مثال آخر على ثروة طبيعية هائلة لم تُترجم إلى تحسين حقيقي في حياة المواطنين؟ من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة تسريعًا في وتيرة الإنتاج، ولكن في الوقت نفسه، يتزايد القلق بشأن مصير آلاف الأسر التي فقدت بالفعل أو تخشى فقدان سبل عيشها، في بلد يعيش فيه أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر. سيكون من الضروري مراقبة تنفيذ الخطط الحكومية، وتقييم تأثير المشروع على المجتمعات المحلية، وضمان توزيع عادل للفوائد، لتجنب المزيد من التوترات الاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية المنشودة.





