من هجليج للأبيض.. مدن مفصلية ترسم ملامح الصراع في كردفان

مع استمرار القتال العنيف في السودان، باتت بعض المناطق ذات أهمية استراتيجية بالغة في تحديد مسار الحرب. وتبرز إقليم كردفان كبؤرة صراع جديدة، حيث تتقاتل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للسيطرة على مدن رئيسية وموارد حيوية، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في خريطة النزاع بالبلاد.
ويشكل كردفان نقطة وصل جغرافية حيوية تربط أجزاء مختلفة من السودان، بما في ذلك دارفور ووسط وشرق البلاد. الأهمية الاستراتيجية للإقليم تتجلى في موقعه على طرق النقل الرئيسية، ووجوده كمصدر للتمويل والموارد، ما يجعل السيطرة على أي مدينة فيه ذات تأثير كبير على المناطق المحيطة. وتتزايد المؤشرات على أن هذا الإقليم سيشهد تصعيدًا ملحوظًا في المعارك خلال الفترة القادمة.
أهمية كردفان الاستراتيجية في سياق الصراع الدائر
تُظهر الخرائط العسكرية والأمنية تداخل مناطق النفوذ بين الجيش وقوات الدعم السريع في ولايات كردفان الثلاث، مع تحركات مستمرة لكلا الطرفين. لم تعد المعركة محصورة في الأطراف النائية، بل باتت تدور حول معاقل استراتيجية قادرة على حسم اتجاهات التمدد أو الانكفاء. السيطرة على هذه المناطق تمثل أولوية قصوى لكلا الطرفين المتنازعين.
هجليج: مركز النفط وورقة الضغط الاقتصادية
تعتبر مدينة هجليج، الواقعة في جنوب كردفان بالقرب من الحدود مع جنوب السودان، من أبرز النقاط الحساسة في الصراع. فهي مركز رئيسي لمعالجة وتشغيل وتصدير النفط السوداني، وترتبط بشبكة خطوط أنابيب تمتد إلى بورتسودان على البحر الأحمر. هذا الموقع الاستراتيجي يمنح هجليج أهمية اقتصادية كبيرة، مما يجعلها هدفًا رئيسيًا لكلا الطرفين، وورقة ضغط محتملة في أي مفاوضات مستقبلية.
الأُبَيّض: مفترق الطرق الإنساني والإمدادي
في شمال كردفان، تخضع مدينة الأُبَيّض، عاصمة الولاية، لضغوط متزايدة. الأُبَيّض هي مفترق طرق حيوية تربط غرب السودان بوسطه، كما أنها تلعب دورًا حاسمًا في الملف الإنساني، حيث تستقبل أعدادًا كبيرة من النازحين الفارين من مناطق القتال. بالنسبة للجيش، الحفاظ على السيطرة على الأبيض يمثل إعاقة لتمدد قوات الدعم السريع شرقًا.
ومع ذلك، فإن سيطرة الدعم السريع على الأبيض ستفتح ممرًا أوسع باتجاه الخرطوم. هذا يجعل المدينة نقطة اشتعال محتملة، ومركزًا للعمليات الإنسانية والإمدادية على حد سواء. كردفان، بشكل عام، تشهد أزمة إنسانية متفاقمة.
أم روابة والعباسية: نقاط ضغط إضافية
جنوب شرق الأبيض، تبرز مدينة أم روابة كنقطة ضغط إضافية. تمثل أم روابة خط إمداد حيوياً للأبيض، وتربط شمال كردفان بولاية النيل الأبيض ووسط البلاد. أي اضطراب في أم روابة قد يؤدي إلى عزل الأبيض عن خطوط الإمداد الرئيسية. هذا يضع المدينة في موقف استراتيجي صعب، ويزيد من أهمية تأمين طرق الإمداد.
وفي جنوب كردفان، تكتسب منطقة العباسية أهمية خاصة. تشهد العباسية اشتباكات مستمرة نظرًا لموقعها على خط التماس مع محاور مدن مثل الدلنج وكادوقلي. السيطرة على العباسية تعني التحكم بالطرق والممرات جنوب الولاية، مما يؤثر بشكل كبير على قدرة الأطراف المتنازعة على المناورة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى زيادة التدخلات الخارجية في الإقليم، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والإنساني. وتتراوح هذه التدخلات بين الدعم اللوجستي وتقديم المساعدات الإنسانية، ولكنها تثير مخاوف بشأن تمدد نطاق الصراع وتدويل الأزمة.
يبدو أن الصراع في كردفان لم يعد مجرد معركة على مواقع جغرافية، بل تحول إلى مواجهة شاملة على مفاصل استراتيجية حاسمة قد تحدد مستقبل الحرب في السودان. التطورات الأخيرة تشير إلى أن الإقليم سيظل نقطة التركيز الرئيسية للقتال خلال الأشهر القادمة.
في الوقت الحالي، لا توجد مؤشرات واضحة على قرب التوصل إلى حل سياسي للصراع في السودان. ومن المتوقع أن تستمر المعارك في كردفان والمناطق الأخرى حتى يتم التوصل إلى اتفاق شامل بين الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، فإن الوضع الإنساني المتدهور وزيادة التدخلات الخارجية يمثلان تحديات كبيرة أمام أي جهود للوصول إلى السلام. يجب مراقبة تطورات الوضع في إقليم كردفان عن كثب لتقييم التداعيات المحتملة على مستقبل السودان. الاستقرار في كردفان يعتبر مفتاحًا لأي حل سياسي شامل.





