هل يشكل حصار أميركا البحري على فنزويلا ضربة للاقتصاد الروسي؟

موسكو – أثار إعلان الولايات المتحدة فرض حصار شامل على ناقلات النفط المتجهة إلى فنزويلا أو القادمة منها جدلاً واسعاً، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، بل وعلى الساحة العالمية أيضاً. ويُعد هذا الحصار البحري المفروض على فنزويلا تطوراً بالغ الأهمية، خاصةً في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية، حيث يثير تساؤلات حول تأثيره على المصالح الروسية والاقتصاد العالمي.
على الرغم من أن القرار الأمريكي قد يعقّد شراء النفط الفنزويلي عبر قنوات غير رسمية بالنسبة للدول الأوروبية، إلا أن معظم النفط الفنزويلي يُصدّر حالياً إلى الصين. ومع ذلك، يرى مراقبون أن البحرية الأمريكية ستسعى جاهدة لاعتراض ناقلات النفط الفنزويلية، بهدف الضغط على اقتصاد البلاد وتقويض قدرتها على الاستمرار. يأتي هذا الإجراء في توقيت حرج، بعد فترة قصيرة من تجديد البرلمان الفنزويلي لمشاريع النفط المشتركة مع روسيا حتى عام 2041.
تداعيات الحصار البحري على فنزويلا والمصالح الروسية
يُعتقد على نطاق واسع أن قرار الحصار الأمريكي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمة الأوكرانية الروسية. ويشير المحللون إلى أن الهدف من هذا الإجراء هو عزل فنزويلا بشكل كامل، وزعزعة استقرارها، وحرمان روسيا من شريك استراتيجي رئيسي في أمريكا اللاتينية. تعتبر فنزويلا شريكاً مهماً لروسيا في قطاع الطاقة، والتعاون بين البلدين يزداد تعقيداً في ظل العقوبات الدولية.
تأثير الحصار على شركات النفط الروسية
يرى الباحث في المعهد الأعلى للاقتصاد، فلاديمير أوليتشينكو، أن فرض الحصار على فنزويلا يحمل في طياته مخاطر اقتصادية وتجارية كبيرة، ويشكل ضربة قوية لشركات النفط الروسية. ويؤكد أوليتشينكو أن الحصار البحري يعقد الخدمات اللوجستية لشركات مثل “روسنفت” و”لوك أويل”، التي تعاني بالفعل من ضغوط العقوبات الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض تعريفات جمركية على السلع القادمة من الدول المستوردة للنفط الفنزويلي يخلق عوائق مالية إضافية أمام التعاون الدولي الذي تشارك فيه روسيا. كما أن هذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما قد يفيد الميزانية الروسية على المدى القصير، ولكنه يهدد باستقرار السوق ويزيد من خطر فرض عقوبات ثانوية على مشتري النفط الروسي، مثل الصين.
مستقبل المشاريع المشتركة بين موسكو وكراكاس
على الرغم من العقوبات، يرجح الخبراء أن المشاريع المشتركة بين روسيا وفنزويلا لن تتجمد بشكل كامل، نظراً لتكيف كلا الجانبين مع نظام العقوبات. ومع ذلك، من المتوقع أن تصبح هذه المشاريع أكثر تكلفة ومخاطرة، مما يتطلب استخدام أساليب معقدة للتحايل على العقوبات والحفاظ على التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
تأثير العقوبات على سداد الديون الروسية
يؤكد الخبير الاقتصادي أندريه زايتسيف أن تجميد الولايات المتحدة لأصول الحكومة وشركة النفط الفنزويلية يحرم كراكاس من الوصول إلى عائدات النقد الأجنبي من صادرات النفط، وهو المصدر الرئيسي للسيولة اللازمة لخدمة ديونها الخارجية، بما في ذلك الديون المستحقة لروسيا. كما أن القيود المفروضة على تداول السندات الفنزويلية تعيق قدرة روسيا على استخدامها كوسيلة للمقاصة أو إعادة البيع.
هل يمكن لروسيا الاستفادة من الوضع؟
على الرغم من التحديات، يرى زايتسيف أن روسيا قد تستفيد من العقوبات المفروضة على فنزويلا في بعض المجالات. ففي الأشهر الأخيرة، حلت روسيا محل الولايات المتحدة كمورد رئيسي لـ”النفثا” المستخدم لتخفيف النفط الخام الفنزويلي الثقيل. كما أن الحصار البحري الكامل قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما يعود بالنفع على الميزانية الروسية.
ومع ذلك، يضيف زايتسيف أن روسيا تواجه خطر فرض عقوبات أمريكية ثانوية، وهو ما قد يدفع بعض ناقلات النفط الروسية إلى تغيير مساراتها لتجنب المصادرة. بالتالي، على الرغم من الفوائد المحتملة، فإن الوضع لا يزال محفوفاً بالمخاطر.
من المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة الضغط على فنزويلا وروسيا من خلال فرض المزيد من العقوبات. في الوقت نفسه، من المرجح أن تسعى روسيا وفنزويلا إلى تعزيز تعاونهما وتطوير آليات جديدة للتحايل على العقوبات. يبقى التطور المستقبلي للعلاقات بين هذه الدول، وتأثيره على أسواق الطاقة العالمية، أمراً يستحق المتابعة الدقيقة.




