هل تحول الشتات الأفغاني الطويل إلى أزمة منسية؟

كابل – على مدى عقود، لم تكن الهجرة الأفغانية مجرد حدث عابر، بل هي سمة متجذرة في تاريخ أفغانستان، مدفوعةً بالصراعات المتتالية، وعدم الاستقرار السياسي، والتدهور الاقتصادي. ونتيجة لذلك، يشكل اللاجئون الأفغان اليوم واحدة من أكبر وأكثر مجتمعات الشتات انتشاراً في العالم، مما يمثل تحديًا إنسانيًا وسياسيًا معقدًا يتطلب اهتمامًا دوليًا متزايدًا.
تشير تقديرات رسمية راجعتها منظمات دولية إلى أن أكثر من 6 ملايين أفغاني يعيشون خارج بلادهم، بينما يتجاوز عدد اللاجئين الأفغان المسجلين حول العالم 10.3 مليون شخص. وقد تصاعدت هذه الأرقام بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، خاصة بعد التطورات الأخيرة في المنطقة والقيود المفروضة على العودة الطوعية.
جذور أزمة اللاجئين الأفغان
تعود جذور الهجرة الأفغانية الحديثة إلى نهاية عام 1979 مع الغزو السوفيتي لأفغانستان، الذي أدى إلى موجة نزوح جماعي واسعة النطاق. وخلال تلك الفترة، أصبحت أفغانستان أكبر مصدر للاجئين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مكانة استمرت لسنوات عديدة.
ولم تتوقف موجات الهجرة مع انتهاء الغزو السوفيتي. فالحروب الأهلية التي اندلعت في التسعينيات، والصعود اللاحق لحركة طالبان، وتصاعد العنف بعد عام 2001، كلها ساهمت في دفع المزيد من الأفغان إلى البحث عن الأمان والعيش الكريم في الخارج. ويتحدث الباحثون عن أربع موجات رئيسية للجوء الأفغاني خلال النصف قرن الماضي:
الموجات الرئيسية للهجرة الأفغانية
- الموجة الأولى: بعد الغزو السوفيتي عام 1979.
- الموجة الثانية: خلال الحروب الأهلية في أوائل التسعينيات.
- الموجة الثالثة: بعد التدخل العسكري الأمريكي عام 2001.
- الموجة الرابعة: بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان في عام 2021.
في السنوات الأخيرة، شهدت دول مثل باكستان وإيران تدفقًا هائلاً من اللاجئين الأفغان. ومع ذلك، بدأت هذه الدول في تشديد سياساتها، مما أدى إلى عمليات ترحيل واسعة النطاق. أفادت اللجنة الحكومية الأفغانية الخاصة باللاجئين أن ما يقرب من 4.5 مليون أفغاني أجبروا على العودة من إيران وباكستان منذ عام 2023.
وقد أثارت هذه العودة القسرية مخاوف بشأن القدرة الاستيعابية لأفغانستان، التي تعاني بالفعل من تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة. ويقول مسؤول حكومي أفغاني، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن الترحيل يأتي في سياق ضغوط سياسية واقتصادية على كل من إسلام آباد وطهران، وخاصة بعد توقف المساعدات الدولية المخصصة للاجئين الأفغان.
تأثيرات العودة القسرية وتوزيع اللاجئين
تمثل عودة حوالي 4.5 مليون أفغاني في فترة قصيرة زيادة كبيرة في عدد السكان، مما فاقم الضغط على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، بالإضافة إلى زيادة المنافسة على فرص العمل. تؤكد العديد من التقارير على أن هذه العودة تزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة في البلاد.
وعلى الرغم من أن باكستان وإيران تستضيفان أكبر عدد من اللاجئين الأفغان، إلا أن هناك أيضًا أعدادًا كبيرة منهم في الدول الغربية، وخاصة في ألمانيا. ويبلغ عدد الأفغان في ألمانيا الآن أكثر من 461 ألفًا، ويتميزون بكونهم شريحة شابة، حيث يبلغ متوسط أعمارهم 27 عامًا، وتشكل النساء حوالي 35% من مجموعهم.
تعتبر كندا من أكثر الدول التزامًا باستقبال اللاجئين الأفغان، حيث تجاوز عددهم 154 ألفًا، مع استقبال أكثر من 55 ألفًا منذ عام 2021. في المقابل، توجد دول أخرى تتخذ مواقف أكثر تحفظًا فيما يتعلق بقبول اللاجئين الأفغان.
وتشير الإحصاءات إلى أن الولايات المتحدة تحتضن حوالي 325 ألف أفغاني، ومع ذلك، لا يزال هناك أكثر من 265 ألف شخص ينتظرون الحصول على تأشيرات. ويواجه هؤلاء المتقدمون تأخيرات وعقبات كبيرة، خاصة في ظل الإجراءات المشددة التي اتخذتها إدارة الهجرة الأمريكية.
التحديات المستقبلية والآفاق المحتملة
يواجه اللاجئون الأفغان العديد من التحديات، بما في ذلك صعوبات الاندماج في المجتمعات المضيفة، والحاجة إلى تعلم لغات جديدة، والاعتراف بالشهادات والمؤهلات التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني العديد منهم من الصدمات النفسية الناتجة عن الحروب والعنف والنزوح.
يتوقع الخبراء أن تشديد سياسات الهجرة في العديد من البلدان قد يدفع المزيد من الأفغان إلى اللجوء إلى طرق غير نظامية للوصول إلى بر الأمان. ويحذرون من أن هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل الإنسانية والأمنية المرتبطة بتدفقات اللاجئين.
وفي الوقت الحالي، يتركز الاهتمام الدولي على الوضع في أفغانستان، وعلى الجهود المبذولة لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للسكان المحليين، بما في ذلك العائدين. ومن المقرر أن تجتمع الأمم المتحدة في الأشهر المقبلة لمناقشة سبل معالجة أزمة اللاجئين الأفغان، وإيجاد حلول مستدامة تضمن حماية حقوقهم وكرامتهم.
لا تزال الأزمة معقدة، وتتطلب تنسيقًا دوليًا وتعاونًا من جميع الأطراف المعنية. وتعتبر مسألة تمويل المساعدات الإنسانية، وتوفير فرص الإسكان والتعليم والعمل، من بين القضايا الرئيسية التي يجب معالجتها في المستقبل القريب.





