الاستيلاء على الأراضي.. حملة إسرائيل المتصاعدة للسيطرة على الضفة

تناولت صحيفة نيويورك تايمز كيف تتآكل فكرة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة تدريجياً، قرية بعد قرية، وبستان زيتون بعد آخر، في ظل تصاعد الاستيطان الإسرائيلي والعنف المرتبط به. ويُظهر التقرير كيف أن عملية الاستيطان الإسرائيلي، التي تتزايد بوتيرة مقلقة، تُهدد بشكل مباشر مستقبل الفلسطينيين وسبل عيشهم، وتزيد من تعقيد أي حل سياسي مستقبلي للقضية الفلسطينية.
وركزت الصحيفة في تقرير مطول على معاناة المزارعين الفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة يومية مع مستوطنين متطرفين يسعون إلى فرض السيطرة على الأرض بالقوة، غالباً تحت نظر الجيش الإسرائيلي أو بحمايته غير المباشرة. وتشمل هذه الاعتداءات تدمير المحاصيل، والاستيلاء على المياه، وتقييد الوصول إلى الأراضي الزراعية، وترهيب السكان المحليين.
تأثير الاستيطان الإسرائيلي على حياة الفلسطينيين
يسرد التقرير قصة المزارع السبعيني رزق أبو نعيم، الذي تعرضت أرض عائلته ومصادر رزقها للاعتداء المتكرر من قبل مستوطنين يقودون أغنامهم إلى بساتين الزيتون، ويستولون على المياه، ويخربون المحاصيل، ويقتحمون المنازل ليلاً. هذه القصة ليست حالة فردية، بل تعكس واقعًا يعيشه العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ومع شق الطرق الجديدة، وإقامة البؤر الاستيطانية غير القانونية التي تتحول لاحقاً إلى مستوطنات دائمة، يدفع الفلسطينيون تدريجياً إلى ترك أراضيهم. يُعزى ذلك إلى الضغوط المتزايدة، وانعدام الأمن، وعدم القدرة على مواصلة حياتهم الطبيعية في ظل هذه الظروف الصعبة.
ويضع المقال هذه الوقائع المحلية ضمن سياق سياسي أوسع، موضحاً أن ما يحدث في الضفة الغربية جزء من صراع ممتد منذ عام 1948، وقد تسارع بشكل ملحوظ بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويضيف التقرير أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تبنت سياسة توسع استيطاني ممنهجة تهدف إلى تقويض حل الدولتين.
العنف المتصاعد والمخالفات القانونية
ويشير التقرير إلى أن العنف لا يقتصر على مصادرة الأراضي، بل يشمل مضايقات واعتداءات جسدية وعمليات قتل، إضافة إلى إغلاق القرى ونصب الحواجز وهدم المنازل، والمحاسبة وفق القانون العسكري، في واقع يسوده انعدام العدالة والخوف الدائم. تُعد هذه الإجراءات انتهاكًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، يوثق التقرير -بالاستناد إلى بيانات وخرائط وأوامر قضائية- كيف تتوسع سيطرة الدولة الإسرائيلية على أراضٍ كانت فلسطينية منذ عقود، وكيف تستخدم الطرق والأسوار لعزل القرى وتقييد حركة السكان وفصل المزارعين عن أراضيهم. هذه السياسات تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للضفة الغربية.
ويبرز التقرير أن الوجود الفلسطيني الحر في الضفة الغربية بات مهدداً بشكل غير مسبوق، وأن التغييرات الجارية على الأرض قد تكون غير قابلة للتراجع، مما يضع مستقبل الدولة الفلسطينية والسلام المنشود في مهب الريح.
تفاقم الأوضاع في ظل سياسات حكومية
ويوثق التقرير كيف تستخدم سياسة ممنهجة لتفريغ القرى الفلسطينية من سكانها، عبر العزل التدريجي والعنف وتوسيع الاستيطان، مع اتخاذ قرية المغير نموذجاً واضحاً لهذا النمط. هذه القرية أصبحت محاصرة بالمستوطنات، مما أدى إلى تقليص مساحات الأرض المتاحة للسكان المحليين.
وليست المغير حالة استثنائية، بل هي واحدة من مجموعة قرى فلسطينية وسط الضفة تعرضت في الأشهر الأخيرة لهجمات متزايدة من المستوطنين، وهي الأعلى وتيرة منذ بدء الأمم المتحدة توثيق هذه الاعتداءات. الأمم المتحدة ذكرت أن هذه الهجمات أدت إلى تهجير جزئي أو كامل لسكان عدة تجمعات فلسطينية منذ عام 2022.
وسلط التقرير الضوء على استخدام الحواجز العسكرية كأداة لعزل القرى، حيث يغلق مركز المغير بشكل متقطع، مما يقيد وصول السكان إلى المستشفيات والمدارس والأراضي الزراعية، رغم تبرير إسرائيل لهذه الإجراءات بأنها “لأسباب أمنية”.
ويبرز التقرير أيضًا نمطًا متكررًا في أنحاء الضفة الغربية يبدأ بإقامة بؤر استيطانية غير قانونية، يتبعها تصاعد في اعتداءات المستوطنين، ثم أوامر عسكرية بإخلاء الفلسطينيين ونصب حواجز. هذه البؤر تتحول لاحقًا إلى مستوطنات رسمية مع دعم حكومي.
يرصد التقرير تصاعداً غير مسبوق في مضايقات واعتداءات المستوطنين المتطرفين، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات باتت شبه يومية خلال العامين الأخيرين. بلغت ذروتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمعدل 8 حوادث يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ بدء الأمم المتحدة توثيق هذه الانتهاكات.
يذكر التقرير حادثة الاعتداء على الشقيقين يوسف وعبد الناصر فندي في قرية حوارة أثناء عملهما في بستان الزيتون، حيث تعرضا للضرب من قبل مستوطنين مسلحين. وتبع ذلك منع الفلسطينيين من دخول أراضيهم بموجب أمر عسكري لمدة شهر.
ومن الجدير بالذكر أن هذا التقرير يأتي في أعقاب زيادة ملحوظة في النزوح القسري للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهي ظاهرة تثير قلقًا دوليًا واسعًا. حقوق الإنسان في المنطقة تدهورت بشكل ملحوظ.
في الختام، تشير التقديرات إلى أن وتيرة الاستيطان الإسرائيلي ستستمر في الزيادة في ظل استمرار السياسات الحالية. من المتوقع صدور تقارير الأمم المتحدة المستقبلية التي توثق المزيد من الانتهاكات. يجب مراقبة ردود الفعل الدولية على هذه التطورات، وما إذا كان سيتم اتخاذ أي خطوات عملية لوقف هذا التوسع وتقديم الحماية للفلسطينيين.





