رغم الإنفاق الكبير.. استخدام محدود للذكاء الاصطناعي بين الموظفين

تنفق الشركات مبالغ كبيرة على تطوير وتبني أدوات الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين كفاءة وإنتاجية موظفيها، ولكن العديد من العاملين لا يستفيدون من هذه الأدوات بالشكل الأمثل. تشير التقديرات إلى أن الاستخدام الفعال لهذه التقنيات يتطلب تغييرًا في طريقة التفكير والتعامل معها، بدلًا من مجرد اعتبارها أدوات بسيطة لإنجاز المهام الروتينية. هذا التحول ضروري لتحقيق العائد الحقيقي على الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، أوضحت آلي ميلر، الرئيسة التنفيذية لشركة “أوبن ماشين”، خلال مشاركتها في مؤتمر “فورتشن برينستروم” المتخصص في الذكاء الاصطناعي، أن لهذه التقنيات أربعة استخدامات رئيسية ومتداخلة. يمكن توظيفها كأداة لإنجاز المهام البسيطة، أو كمساعد شخصي، أو كمفوض، أو حتى كعضو ضمن فريق العمل، وذلك تبعًا للهدف من استخدامها وطريقة التعامل مع النموذج. الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي تتطلب فهم هذه الاستخدامات المختلفة.
بساطة الأوامر تقود إلى نتائج محدودة
تنتقد ميلر الطريقة التي يتعامل بها الكثير من موظفي شركات التقنية مع أدوات الذكاء الاصطناعي، واصفةً إياها بأنها تشبه استخدام برمجيات تقليدية قديمة تعتمد فقط على إدخال الأوامر وانتظار المخرجات. هذا النهج يغفل عن القدرات التفاعلية المتقدمة التي تتمتع بها هذه النماذج الحديثة.
وتضيف ميلر أن حوالي 90% من الموظفين يقتصر استخدامهم للذكاء الاصطناعي على المرحلة الأولى فقط، أي كأداة لإنجاز المهام السهلة أو كمحرك بحث متقدم. هذا يؤدي إلى إهدار جزء كبير من الإمكانات التي توفرها هذه النماذج، ويقلل من تأثيرها على الإنتاجية.
وبحسب التقارير، يؤدي هذا الاستخدام المحدود إلى إبطاء جهود الشركات في تبني الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، وينعكس سلبًا على إنتاجية الموظفين الذين يهدرون وقتًا كبيرًا نتيجة سوء استخدام هذه الأدوات. الاستثمار في التدريب والتطوير ضروري لتحسين هذه الوضعية.
وتدعم هذه النتائج دراسة أجرتها شركة “كورنرستون أون ديماند”، أشارت إلى أن حوالي 80% من موظفي الشركات في الولايات المتحدة يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي دون تلقي تدريب حقيقي يمكّنهم من الاستفادة الكاملة من إمكاناتها. هذا النقص في التدريب يمثل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق أهداف التحول الرقمي.
جعل الذكاء الاصطناعي عضوا في الفريق
ترى ميلر أن الاستفادة الحقيقية من الذكاء الاصطناعي تبدأ في اللحظة التي يتحول فيها من مجرد محرك بحث وأداة لإتمام المهام إلى شريك في الفريق. هذا الاستخدام الأكثر تطورًا يتطلب تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير والتعامل مع هذه التقنيات.
ويجعل هذا الاستخدام الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من آلية العمل في الشركات، إذ يستطيع الوصول إلى كافة المعلومات التي يصل إليها أي موظف ويمكن توجيه الأوامر إليه والطلبات مثل أي موظف آخر في الشركة. هذا التكامل يعزز التعاون والكفاءة.
وتشير التقارير إلى أن “أوبن إيه آي” بدأت بالفعل في توظيف هذا الاستخدام وتحقيقه بشكل واقعي في سجل العمل اليومي الخاص بها، من خلال دمج أداة البرمجة الخاصة بها في “سلاك” الخاص بالشركة لجعله يستقبل الأوامر والطلبات من الموظفين بشكل مباشر. هذا مثال على كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في سير العمل اليومي.
الذكاء الاصطناعي كموظف بدوام كامل
وتشير ميلر إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يتحول في نهاية المطاف إلى ما يشبه موظفًا بدوام كامل، قادرًا على العمل بشكل مستقل لأكثر من ثماني ساعات متواصلة دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر. هذا التحول يتطلب تطوير نماذج أكثر ذكاءً وقدرة على التكيف.
وفيما يتعلق بطبيعة المهام التي يمكن أتمتتها، تنصح ميلر بتقسيم العمل وفقًا لمستوى الأهمية، بحيث يتولى الذكاء الاصطناعي حوالي 70% من المهام غير الأساسية، و20% من المهام المهمة والمعقدة، في حين تبقى 10% من المهام المحورية، التي قد تؤثر في مستقبل الشركات، تحت الإشراف البشري المباشر. هذا التوزيع يضمن تحقيق التوازن بين الكفاءة والرقابة.
وتختتم ميلر حديثها بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي ليس أداة جامدة أو بلا تفكير، محذرة من أن الشركات التي تتعامل معه بهذه العقلية قد تواجه تساؤلات حاسمة مستقبلًا حول أخطائها في تبني هذه التقنية. التعامل مع الذكاء الاصطناعي يتطلب فهمًا عميقًا لقدراته وقيوده.
من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطورات متسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تطوير نماذج أكثر ذكاءً وقدرة على التكيف. ستشهد الشركات التي تستثمر في التدريب والتطوير والبحث العلمي في هذا المجال أفضل النتائج. يبقى التحدي الأكبر هو ضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لهذه التقنيات، وتجنب المخاطر المحتملة.





