من الموصل إلى واشنطن.. حصاد الوثائقيات الأبرز في 2025

في عام 2025، برزت السينما الوثائقية كأداة قوية لرصد وتحليل الأحداث العالمية، مقدمةً نافذة فريدة على تجارب إنسانية متنوعة. لم تكتفِ هذه الأفلام بتسجيل الواقع، بل سعت إلى فهم أعمق للدوافع والتحديات التي تواجه المجتمعات والأفراد، مما جعلها محط اهتمام النقاد والجمهور على حد سواء. وتتميز هذه الأعمال بقدرتها على إثارة التأمل والحوار حول القضايا المعقدة التي تشكل عالمنا.
وتشهد الساحة الوثائقية هذا العام تنوعًا ملحوظًا في المواضيع والأساليب، بدءًا من الأفلام التي تتناول الصراعات السياسية والاجتماعية، وصولًا إلى تلك التي تركز على القصص الإنسانية الملهمة. وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على بعض أهم الأفلام الوثائقية التي تركت بصمة واضحة في عام 2025، وكيف ساهمت في تشكيل فهمنا للعالم من حولنا.
العراق: الأسود على ضفاف نهر دجلة
يُعد فيلم “الأسود على ضفاف نهر دجلة” (The Lions by the River Tigris) من أبرز الأعمال الوثائقية التي قدمت صورة مؤثرة عن العراق بعد سنوات من الصراع والدمار. الفيلم، وهو إنتاج مشترك بين العراق والنرويج وهولندا، يركز على مدينة الموصل وكفاح سكانها لإعادة بناء حياتهم وهويتهم الثقافية.
لا يعتمد الفيلم على السرد السياسي المباشر، بل ينحاز إلى التفاصيل الإنسانية الصغيرة، مثل الذكريات، والخسائر، والحنين إلى الماضي. من خلال هذه التفاصيل، يرسم الفيلم صورة شاملة عن مدينة تحاول استعادة صوتها بعد أن كادت أن تُصمت.
فنيًا، يتميز الفيلم بالإيقاع البطيء واللغة البصرية الشاعرية، حيث يعتمد على لقطات طويلة وتأملية للنهر والبيوت المهدمة والوجوه الصامتة. هذا الأسلوب يمنح الفيلم عمقًا فنيًا ويجعله يتجاوز حدود التوثيق التقليدي.
إيران: اختراق الصخور
يتناول فيلم “اختراق الصخور” (Cutting Through Rocks) قصة سارة شاهي فردي، أول امرأة تنتخب لعضوية مجلس قروي في منطقة ريفية محافظة في إيران. الفيلم لا يكتفي بتوثيق هذا الحدث التاريخي، بل يغوص في تفاصيل حياة سارة والصعوبات التي واجهتها في سعيها للتغيير.
يكشف الفيلم عن الصراع المعقد بين السلطة المحلية والعادات المتجذرة ومحاولات التغيير البطيئة التي تقودها سارة. من خلال مراقبة حياة سارة اليومية، يقدم الفيلم صورة واقعية عن التحديات التي تواجهها المرأة في إيران.
اعتمد المخرج على أسلوب تصوير وثائقي مباشر، مع تجنب التعليق الصوتي الموجه، للسماح للشخصيات بالتعبير عن نفسها بحرية. هذا الأسلوب يعزز مصداقية الفيلم ويجعله أكثر تأثيرًا.
أميركا: كشف الحقيقة المخفية
من الولايات المتحدة، يبرز فيلمان وثائقيان هذا العام. الأول، “كارثة أوشن غيت” (Titan: The OceanGate Disaster)، الذي يروي تفاصيل مأساوية حول حادثة الغواصة “تيتان” التي كانت في طريقها إلى حطام سفينة “تايتانيك”. يحلل الفيلم الأسباب التي أدت إلى الكارثة، مع التركيز على القرارات التقنية والإدارية التي اتخذتها شركة أوشن غيت.
الفيلم الثاني، “التغطية/كشف الحقيقة المخفية” (Cover‑Up)، يقدم ملفًا شاملاً عن مسيرة الصحفي الاستقصائي سي مور هيرش، الذي كشف عن العديد من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها المؤسسات الأمريكية على مر العقود. يعتمد الفيلم على مقابلات مع هيرش نفسه، ومواد أرشيفية لم تنشر من قبل.
تُظهر هذه الأفلام الوثائقية كيف يمكن للسينما أن تكون أداة قوية لكشف الحقائق وإثارة النقاش حول القضايا المهمة. وتساهم في تعزيز الوعي العام وتشجيع المساءلة.
من المتوقع أن تستمر السينما الوثائقية في لعب دور حيوي في تشكيل فهمنا للعالم في السنوات القادمة. ومع تزايد الاهتمام بالقصص الإنسانية والتحقيقات الاستقصائية، يمكننا أن نتوقع المزيد من الأفلام الوثائقية المؤثرة التي تتحدى المفاهيم التقليدية وتثير التفكير النقدي. وستظل المهرجانات السينمائية الدولية منصة هامة لاكتشاف هذه الأعمال ودعم صناعها، مع التركيز المتزايد على الأفلام التي تتناول قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.




