زوجان يحصدان جوائز في مكافحة مرض خطير ومزمن.. إليكم القصة
ساهمت الأبحاث التي أجراها مدى عقود الزوجان سليم عبد الكريم وزوجته قُرَيشة بشأن الإيدز وأمراض معدية أخرى، في إنقاذ آلاف الأرواح، لكنّ الزوجين المتحدرين من جنوب إفريقيا واللذين فازا أمس الخميس بجائرة لاسكر الأميركية المرموقة، يعتبران أن نهاية مهمتهما لا تزال بعيدة.
سليم وقريشة مولودان في مقاطعة كوازولو ناتال (جنوب شرق البلاد) قبل 64 عاما ومتزوجان منذ 36 سنة. وقد حظيا بإشادات كثيرة وفازا بجوائز عالمية عن أعمالهما في مجال الوقاية والعلاج من فيروس نقص المناعة البشرية، والسل، وكوفيد-19، والجدري، وفق وكالة فرانس برس.
ومُنحت الخميس جوائز لاسكر الأميركية عن بحوث أفضت إلى «أساليب جديدة منقذة للحياة تتمحور على الوقاية والعلاج لدى الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أو الإيدز».
وبحسب مؤسسة لاسكر، أدى عمل الزوجين إلى «وقف تطوّر فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز الذي أدى إلى وفاة 42 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم». وقالت المؤسسة إنّ «الزوجين أنقذا أرواحا بفضل أبحاثهما المبتكرة والتوعية العامة، والشجاعة في قول الحقيقة للسلطات»، ومن خلال استخدام العلم لدحض الأساطير والأفكار المضللة بشأن الإيدز.
وقال سليم عبد الكريم من مكتبه في المركز المتخصص ببرامج الأبحاث عن الإيدز (كابريسا) الذي يتولى إدارته بينما تتولى زوجته منصب مديرته العلمية، إنّ هذه الجائزة هي «درس في التواضع وخطوة كبيرة في مسيرة علمية مهنية بحثية».
وأكدت قريشة أن «هذه الجائزة “محفّزة، وتعترف بالقوة التحويلية للعلوم، وتحديدا العلوم من أفريقيا”.
بدأ الزوجان يجريان أبحاثهما بشأن فيروس نقص المناعة البشرية في العام 1987، بعد رحلة دراسية في جامعة كولومبيا في نيويورك، المدينة التي شهدت انتشرا للفيروس وسُجّلت فيها اول إصابة عام 1981.
تقدم كبير
وقال سليم عبد الكريم «لم يكن يمرّ يوم على أي قاطن في نيويورك من دون التحدث عن فيروس نقص المناعة البشرية». وكان الفيروس بالنسبة إلى الزوجين بمثابة «التحدي الكبير التالي عند عودتهما إلى جنوب أفريقيا، التي كانت آنذاك تحت وطأة نظام الفصل العنصري وتتكاثر فيها الإصابات فيها بشكل كبير».
ولا تزال جنوب أفريقيا حيث أودى مرض الإيدز بحياة 3، 9 ملايين شخص منذ عام 1999، أكثر دولة تسجّل إصابات بهذا الفيروس في العالم.
وقالت قريشة إنّ «فيروس نقص المناعة البشرية كان في مجتمعاتنا وكنّا نحاول التوعية بشأن تغيير التصرفات المرتبطة بالعلاقات الجنسية، في مرحلة لم يكن من السهل فيها الحديث عن الجنس، وكان نظام الفصل العنصري يحاول أيضا التحكم في قرار اختيار مع مَن سيمارس الشخص علاقة جنسية».
وبعد انتهاء الفصل العنصري وإقامة أول انتخابات متعددة الأعراق عام 1994، عُيّنت قريشة مديرة للبرنامج الوطني لمحاربة الإيدز.
لكن السلطات كانت في حالة نكران لمدى انتشار الوباء، وهو موقف يشير برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية، إلى أنه كلّف حياة أكثر من 2، 5 مليون شخص بين عامي 1999 و2010.
وعام 2010، توصلت دراسة أجراها الزوجان في كابريسا إلى أنّ «هلاما مبيدا للميكروبات المهبلية يقلل بشكل كبير من مخاطر إصابة النساء بفيروس نقص المناعة البشرية».
وذكّرت مؤسسة لاسكر بأنّ «هذا التقدم الكبير أدى إلى ابتكار علاج مضاد للفيروسات القهقرية، وهو علاج وقائي فعّال توصي به منظمة الصحة العالمية».
جسم معطِّل
وأشارت المؤسسة إلى أنّ «مقارباتهما العلاجية في حالات العدوى المشتركة بين فيروس نقص المناعة البشرية والسل أدت إلى انخفاض الوفيات بأكثر من 50%».
لكن لا يزال نحو 8، 3 ملايين شخص في جنوب أفريقيا مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، في حين سُجلت عام 2023 ما لا يقل عن 150 إصابة، بحسب برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية.
والإصابات الجديدة طالت بشكل رئيسي نساء ضحايا للعنف الجنسي، هنّ مثلا شابات يعيلهنّ رجال أكبر سنّا، وعاملات في المجال الجنسي، وفق قريشة.
وسالم عبد الكريم الذي كان أحد المستشارين المهمين للحكومة خلال جائحة كوفيد-19، بات وجها معروفا في جنوب إفريقيا، إذ يستند إلى «أسلوبه المطمئن وإطلالاته عبر التلفزيون لتقديم النصائح».
وقال «في مراكز التسوق، يأتي الناس إلي ويقولون لي شكرا جزيلا يا أستاذ».
ولا يخطط الزوجان، ولهما ثلاثة أبناء أصبحوا بالغين، لوقف أبحاثهما.
وقال سالم «نعمل حاليا على استراتيجيات جديدة للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية على المدى البعيد»، مضيفا «ابتكرنا جسما معطّلا واسع النطاق لمعرفة ما إذا كان بإمكانه العمل على الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية».
وأضاف باسما «نجري أبحاثا ونعمل على ابتكارات جيدة حاليا، ستبقينا مشغولين لفترة من الوقت».
وقالت زوجته «من خلال العمل معا، وكما أثبتنا، تكون وجهات نظرنا مختلفة لكن متكاملة»، مضيفة «نحن قادران على الارتقاء بالعلم إلى مستويات لا يمكننا الوصول إليها بشكل منفرد».