في عالم يزداد فيه تدفق المعلومات الرقمية، أصبح التمييز بين الأخبار الحقيقية والمضللة تحديًا متزايدًا. هنا، يبرز التحقق من الحقائق كأداة أساسية للصحفيين، مدعومًا بشكل متزايد بقدرات الذكاء الاصطناعي. لم يعد الصحفيون يعتمدون فقط على المصادر التقليدية، بل يستعينون بتقنيات متطورة لقراءة الصور والفيديو، وفحص النصوص، وكشف التلاعب، مما يضمن تقديم معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور.
في الماضي، كان الصحفيون يعتمدون على الحواس والملاحظة والاتصالات المباشرة للتحقق من صحة الأخبار. ومع ذلك، مع تزايد حجم المعلومات الرقمية وتطور أساليب التضليل، أصبح هذا النهج التقليدي غير كافٍ. يقول لانري أولاغونجو، رئيس تحرير “تشيك كليمايت أفريكا”: “لقد أصبح الذكاء الاصطناعي بلا شك حليفا أساسيا في مكافحة المعلومات المضللة والمغلوطة، لقد شهدتُ شخصيا كيف غيرت أدوات الذكاء الاصطناعي المدعومة عملياتنا”.
لماذا من المهم استخدام أدوات التحقق من الحقائق؟
الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي للتحقق من الحقائق يمنح الصحفيين القدرة على تجنب نشر معلومات مضللة قد تضر بمصداقيتهم وثقة الجمهور بهم. تساهم هذه الأدوات في توفير الوقت من خلال أتمتة المهام الروتينية، مثل التحقق من صحة المصادر وإدارة المراجع، مع الحفاظ على دقة المحتوى وضمان أن التقارير مبنية على بحث موثوق ومصادر صحيحة. هذا يجعل عملية التحقق أكثر سرعة وفعالية، ويعزز جودة العمل الصحفي بشكل ملحوظ.
أبرز أدوات التحقق من الحقائق التي تدعم الصحفيين
تتوفر اليوم مجموعة متنوعة من الأدوات التي تساعد الصحفيين في مهمة التحقق من الحقائق. يمكن تقسيم هذه الأدوات إلى فئات رئيسية، تشمل التحقق من الوسائط المتعددة وتحليل النصوص.
التحقق من الوسائط المتعددة
تساعد هذه الأدوات في الكشف عن التلاعب بالصور والفيديو. من بين الأدوات البارزة:
- “سنسيتي إيه آي” (Sensity AI): أداة متقدمة للتحقق من الحقائق بالذكاء الاصطناعي، تساعد الصحفيين على اكتشاف المحتوى المزيف في الوسائط المتعددة، مثل تبديل الوجوه والوسائط الاصطناعية التي تم إنشاؤها باستخدام “شبكات التوليد العدائية” (GANs).
- “إن فيد – وي فيرفاي بلوغن” (InVID – WeVerify plugin): ملحق مجاني للتحقق من الصور والفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنه استخراج البيانات الوصفية، وتقسيم الفيديو للبحثِ العكسي عن الصور، وفحص الإطارات الفردية للكشف عن علامات التلاعب.
تحليل النصوص
تساعد هذه الأدوات في التحقق من صحة المعلومات الواردة في النصوص. من بين الأدوات البارزة:
- “فول فاكت إيه آي” (Full Fact AI): طورتها مؤسسة “فول فاكت” في المملكة المتحدة، وهي مجموعة أدوات للتحقق من الحقائق تساعد المستخدمين على تتبع المعلومات المضللة، وتحديد مروّجيها، وتحليل أنماط انتشارها.
أدوات إضافية للتحقق من الحقائق
“سورسلي” (Sourcely): أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي مصممة لتبسيط عملية التحقق من المصادر الأكاديمية والوصول إليها. تتيح للمستخدمين البحث باستخدام فقرات كاملة أو ملاحظات شخصية، وتوفر ملخصات ذكية للمصادر.
أدوات “غوغل” للتحقق من الحقائق: تشمل “غوغل فاكت تشيك إكسبلورر” و”فاكت تشيك ماركاب تول” و”كليم ريفيو”، وهي أدوات مجانية تساعد الصحفيين على التحقق من صحة المعلومات وتحديد المقالات التي تم التحقق منها مسبقًا.
“ميدان تشيك” (Meedan Check): منصة للتحقق من المحتوى المرسل عبر تطبيقات المراسلة، حيث يمكن للأفراد تقديم محتوى للتحقق منه من قبل المحررين والمحققين الموثوقين.
دمج الذكاء الاصطناعي مع الخبرة البشرية
على الرغم من التقدم الكبير في أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أن الخبرة البشرية لا تزال ضرورية في عملية التحقق من الحقائق. تشير الدراسات إلى أن الأنظمة الآلية تواجه صعوبة في الدقة في بعض الحالات، خاصة عند التعامل مع السياق والفروق الدقيقة في الأخبار. لذلك، من المهم دمج سرعة الذكاء الاصطناعي مع حكم الصحفي وخبرته لضمان أعلى معايير الدقة والمصداقية.
يتوقع الخبراء أن يشهد مجال التحقق من الحقائق تطورات مستمرة في السنوات القادمة، مع ظهور أدوات جديدة وتقنيات أكثر تطوراً. ومع ذلك، سيبقى التحدي الرئيسي هو إيجاد التوازن الأمثل بين استخدام الذكاء الاصطناعي والاعتماد على الخبرة البشرية لضمان تقديم معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور. من المتوقع أن تركز الجهود المستقبلية على تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي في فهم السياق والتعامل مع المعلومات المعقدة، بالإضافة إلى تطوير بروتوكولات تحقق أكثر فعالية تجمع بين نقاط القوة في كلا المجالين.
