اعتداءات المستوطنين تهدد الاقتصاد المحلي في الضفة الغربية

نابلس – يواجه أصحاب المنشآت الزراعية والصناعية في منطقة غرب نابلس، تحديات متزايدة بسبب تكرار الاعتداءات الاستيطانية، والتي بلغت ذروتها بحرق مشتل للجنيدي للمرة السابعة خلال عامين. وتُشير التقديرات إلى خسائر مادية تتجاوز المليوني شيكل، بالإضافة إلى تدمير بذور نادرة وثروة زراعية قيمة، مما يثير مخاوف بشأن مستقبل القطاع الاقتصادي في المنطقة.
وقع الحادث في الثامن من سبتمبر/أيلول 2025، عندما أضرم مستوطنون النيران في مشتل الجنيدي الواقع في المنطقة الصناعية بدير شرف. وقد أدى ذلك إلى تدمير المخازن والمكاتب، وتفجير مخزن يحتوي على حوالي طنين من البذور النادرة، بقيمة تصل إلى 800 ألف شيكل. كما تسببت النيران في إتلاف دفاتر الديون القديمة، التي تعود إلى 15-20 سنة، بقيمة 1.6 مليون شيكل.
تفاصيل الاعتداء وتأثيره على الإنتاج
يروي ماهر الجنيدي، صاحب المشتل، تفاصيل الليلة المأساوية، مؤكداً أن الجيران أبلغوه باندلاع النيران. وبادر الجنيدي وعائلته وأصدقاؤه بمحاولة إخماد الحريق، لكن سرعة انتشاره حالت دون ذلك. ويشير الجنيدي إلى أن تأخر وصول فرق الإطفاء، بسبب عرقلة قوات الاحتلال لحركتهم على حاجز دير شرف لأكثر من 40 دقيقة، ساهم في تفاقم الخسائر.
ويعتبر حاجز دير شرف نقطة احتكاك رئيسية بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، وقد فرض قيوداً كبيرة على حركة السكان والبضائع في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى انخفاض حاد في إنتاج المشتل، حيث تراجع من حوالي 12 مليون شتلة سنوياً إلى مليون ونصف شتلة فقط هذا الموسم. هذا الانخفاض يؤثر بشكل مباشر على المزارعين المحليين الذين يعتمدون على المشتل لتوفير شتائل الخضروات.
اعتداءات منظمة تستهدف الاقتصاد الفلسطيني
ويؤكد الجنيدي أن الاعتداءات ليست عشوائية، بل تخطط لها مجموعات مستوطنين بشكل مسبق. ويشير إلى أنهم يستخدمون أدوات خاصة لقطع الأسلاك والشباك، ويتجنبون الكاميرات، مما يدل على وجود تخطيط مسبق. وتأتي هذه الاعتداءات في سياق تصاعد التوتر في الضفة الغربية، وزيادة نشاط المستوطنين.
وبحسب عاصف نوفل، الناشط الصحفي من دير شرف، فإن هذه الاعتداءات تتم تحت إشراف رئيس مجلس مستوطنات الشمال يوسي داغان، المقيم في مستوطنة شافي شمرون. ويضيف نوفل أن المستوطنين نفذوا أكثر من 13 اعتداء في المنطقة الغربية لدير شرف خلال الشهرين الماضيين، بالإضافة إلى اعتداءات مستمرة على التجمعات البدوية القائمة هناك منذ عام 1975.
الأثر الاقتصادي على المنطقة
ويشير ياسين دويكات، مدير غرفة تجارة وصناعة نابلس، إلى أن الاعتداءات الأخيرة طالت منشآت حيوية، مثل مصنع للألبان، وتسببت في خسائر مادية كبيرة. ويؤكد أن هذه الاعتداءات تمثل ضربة مباشرة للاقتصاد المحلي، وتؤثر على رأس مال الشركات وقدرتها على الصمود. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعطيل حركة العمال والبضائع يزيد من التكاليف ويقلل من القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية.
وتضم المنطقة الصناعية الغربية العديد من المصانع والشركات الرائدة في الاقتصاد الفلسطيني، وتوفر فرص عمل لأكثر من ألف عامل. لذلك، فإن أي اعتداء على هذه المنطقة يؤثر على سبل عيش العديد من الأسر، ويهدد استقرار المنطقة. وتشير التقارير إلى أن هذه الاعتداءات تشكل “حصارا اقتصاديا ممنهجا” يهدف إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني.
وسجل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) أكثر من ألف هجوم استيطاني في 230 مجتمعا بالضفة الغربية خلال عام 2025، مع تركز غالبية هذه الهجمات في محافظات نابلس ورام الله والخليل. وتشمل هذه الهجمات إتلاف الممتلكات، والاعتداء على الأشخاص، وحرق المنازل والمحلات التجارية.
في الختام، يظل الوضع في المنطقة الصناعية الغربية قرب دير شرف متوتراً، مع توقع استمرار الاعتداءات الاستيطانية في ظل غياب آليات حماية فعالة. ومن المتوقع أن تقدم غرفة تجارة وصناعة نابلس تقريراً مفصلاً عن الخسائر المادية والاقتصادية الناجمة عن هذه الاعتداءات إلى الجهات المختصة، في محاولة للضغط من أجل توفير الحماية اللازمة للمنشآت والمستثمرين. يبقى مستقبل الاستثمار في هذه المناطق معلقاً على مدى قدرة السلطات الفلسطينية والمجتمع الدولي على إيجاد حلول لهذه المشكلة المتفاقمة.





