الأمعاء وصحة العقل: بكتيريا الأمعاء تؤثر على أعراض اضطراب ثنائي القطب

الاضطراب ثنائي القطب هو حالة صحية نفسية معقدة تتميز بتغيرات مزاجية شديدة، تتراوح بين فترات من الابتهاج الشديد والنشاط المفرط، وبين فترات من الحزن العميق واليأس. يؤثر هذا الاضطراب على ملايين الأشخاص حول العالم، وغالبًا ما يتطلب علاجًا طويل الأمد بالأدوية. ومع ذلك، تشير أبحاث حديثة إلى أن صحة الأمعاء قد تلعب دورًا هامًا في تطور وشدة أعراض الاضطراب ثنائي القطب.
العلاقة بين الميكروبات المعوية والاضطراب ثنائي القطب
أظهرت دراسات متزايدة أن الميكروبات المعوية – وهي مجموعة الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في الجهاز الهضمي – يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية. وفقًا لموقع Medical Xpress، فإن هذه الكائنات الدقيقة قد تساهم في بعض أعراض الاضطراب ثنائي القطب، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم وعلاج هذه الحالة.
نتائج دراسة حديثة
قام باحثون من جامعة تشجيانج الصينية ومعهد نانهو لتفاعل الدماغ والحاسوب بإجراء دراسة لاستكشاف العلاقة بين الميكروبات المعوية والاكتئاب المصاحب للاضطراب ثنائي القطب. نُشرت نتائجهم في مجلة الطب النفسي الجزيئي، وأشارت إلى أن التغيرات في الكائنات الدقيقة في الأمعاء يمكن أن تؤثر على الاتصالات بين مناطق معينة في الدماغ مرتبطة بالاكتئاب.
قام الفريق بإنشاء نموذج حيواني يحاكي أعراض الاكتئاب المرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب عن طريق زرع الميكروبات البرازية من أشخاص مصابين بالاضطراب في الجهاز الهضمي لفئران سليمة. لاحقًا، أظهرت الفئران سلوكيات شبيهة بالاكتئاب، بالإضافة إلى ضعف الاتصال العصبي في منطقتي السقيف البطنية (VTA) وقشرة الفص الجبهي الإنسي (mPFC)، وهما منطقتان دماغيتان تلعبان دورًا حاسمًا في تنظيم المزاج.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون اضطرابات في إنتاج البروتينات وانخفاضًا في مستويات إشارات الدوبامين لدى الفئران. الدوبامين هو ناقل عصبي مهم يلعب دورًا في الدافعية والمكافأة والتنظيم العاطفي. هذه النتائج تشير إلى أن الميكروبات المعوية قد تؤثر على وظائف الدماغ المرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب.
آثار اختلال التوازن الميكروبي
تشير الأدلة المتزايدة إلى أن اختلال التوازن في الميكروبات المعوية، أو ما يُعرف بـ “خلل الميكروبيوم”، قد يكون علامة مميزة للمرضى الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب. يرتبط هذا الخلل ارتباطًا وثيقًا بحدة الأعراض السريرية للاضطراب، مما يشير إلى أنه قد يكون عاملاً مساهماً في تطوره.
ومع ذلك، لا يزال تأثير الميكروبات المعوية على الجهاز العصبي في سياق الاضطراب ثنائي القطب غير مفهوم تمامًا. تُظهر هذه الدراسة أن الكائنات الدقيقة في الأمعاء قادرة على التأثير على الروابط بين الخلايا العصبية في مناطق الدماغ المختلفة، مما قد يؤثر بدوره على المزاج والدافعية ومعالجة المشاعر.
هذه الاكتشافات تفتح الباب أمام استكشاف علاجات جديدة تستهدف الميكروبات المعوية لتحسين إدارة الاضطراب ثنائي القطب. قد تشمل هذه العلاجات تعديل النظام الغذائي، أو استخدام البروبيوتيك (البكتيريا النافعة)، أو حتى زرع البراز.
التوجهات المستقبلية في العلاج
تؤكد هذه الدراسة على أهمية محور الأمعاء-الدماغ في الصحة النفسية. فهم الآليات التي تربط بين الميكروبات المعوية ووظائف الدماغ يمكن أن يؤدي إلى تطوير استراتيجيات علاجية أكثر فعالية للمرضى الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب.
في الوقت الحالي، يركز البحث على تحديد أنواع معينة من الميكروبات المعوية التي قد تكون مرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب، وكيفية تعديل هذه الميكروبات لتحسين الأعراض. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من الدراسات التي تستكشف هذه العلاقة المعقدة، والتي قد تؤدي إلى علاجات مبتكرة تعتمد على استهداف الميكروبيوم المعوي.
من المهم ملاحظة أن هذه الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتائج وتحديد أفضل الطرق لتطبيقها في الممارسة السريرية. ومع ذلك، فإن هذه الاكتشافات تمثل خطوة واعدة نحو فهم أفضل للاضطراب ثنائي القطب وتطوير علاجات أكثر تخصيصًا وفعالية.
من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من التجارب السريرية لتقييم فعالية التدخلات التي تستهدف الميكروبيوم المعوي في علاج الاضطراب ثنائي القطب خلال السنوات الخمس القادمة. سيراقب الباحثون عن كثب التغيرات في الميكروبات المعوية، بالإضافة إلى التغيرات في الأعراض السريرية والاستجابات العصبية للمرضى.





