الإنفاق الدفاعي وسياسة ترامب الخارجية تشغلان الأوروبيين
بروكسل- في سابقة هي الأولى، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” وبريطانيا بقصر إيغمونت في العاصمة البلجيكية -أول أمس الإثنين- في قمة “غير رسمية” لمناقشة قضايا الدفاع، في ظل استمرار الحرب الأوكرانية وتزايد المخاوف من التهديد الروسي على القارة العجوز.
وشكّل الاجتماع، الذي دعا إليه رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، مناسبة لقادة الاتحاد الأوروبي لبحث سبل تعزيز الإنفاق الدفاعي وسد الفجوات في القدرات العسكرية، بما في ذلك القدرات الجماعية، ووسائل التمويل والعلاقات مع الشركاء الإستراتيجيين.
ورغم أن الزعماء الأوروبيين تركوا الباب مواربا أمام تقديم إجابة واضحة وحاسمة عن كيفية تمويل الزيادة المخطط لها، فإن تركيزهم ذهب أيضا باتجاه التساؤلات حول التزام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحالف الأمن التابع لحلف الناتو وحول إعلانه الأخير فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من المكسيك وكندا والصين.
زيادة الإنفاق الدفاعي
جاءت قمة بروكسل بعد أسبوعين من عودة ترامب إلى البيت الأبيض مع وعود بـ”نهاية سريعة” للحرب في أوكرانيا. لكن قادة أوروبا يخشون قطع المساعدات الأميركية عن كييف وفرض وقف إطلاق النار لصالح الكرملين.
وخلال المؤتمر الصحفي الختامي، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إنها مصممة على إيجاد الوسائل لتمويل احتياجات الدفاع بالاتحاد الأوروبي، وعبّرت عن استعدادها للعمل بمرونة من أجل الاستقرار والنمو عبر السماح بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي.
ويرى الدكتور بنجامين تاليس مدير “مبادرة الإستراتيجية الديمقراطية” -وهي مؤسسة بحثية مقرها برلين- أن الطريق لا يزال طويلا أمام تأمين أوروبا من خلال إيجاد هذا النوع من الزيادة في الإنفاق الدفاعي الذي دعت إليه رئيسة المفوضية، معتبرا أن الاجتماع لم يقدم خطوات ملموسة للزيادة التي دعا إليها مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبيليوس.
وأضاف تاليس -في حديث للجزيرة نت- أن الاتحاد الأوروبي بحاجة لإستراتيجية أكثر ذكاءً لردع موسكو والمنافسة على المدى البعيد ولا سيما “مع وجود انقسامات كبيرة بين البلدان التي أدركت التهديد الروسي على أوروبا وضعف القارة بسبب افتقارها للقدرات اللازمة والإنفاق وفقا لذلك، وتلك التي تختار التجاهل وعدم إنفاق الأموال اللازمة لبناء قدرات جديدة”.
انسحاب المظلة الأميركية
وقبل موعد الاجتماع، وقعت 19 دولة من أصل 27 عضوا على رسالة تحث البنك الأوروبي للاستثمار على تخفيف قواعده بشأن تمويل مشاريع الأمن والدفاع. ويعد هذا البنك أكبر مقرض عام متعدد الأطراف في العالم، وقد ضخ فعليا مليارات اليوروهات لمساعدة أوكرانيا منذ عام 2022.
ومن جانبها، تعتقد إيونيلا ماريا سيولان، مسؤولة أبحاث السياسة الخارجية والأمن والدفاع بمركز “ويلفريد مارتنز” للدراسات الأوروبية، أن دول الاتحاد كثّفت مناقشاتها حول بناء اتحاد دفاعي لسد الفجوات الإستراتيجية المحتملة التي قد تنشأ عن الانسحاب الأميركي المستقبلي من القارة.
وفي حديثها للجزيرة نت، أوضحت سيولان أن إدارة ترامب تتوقع تولي الدول الأوروبية زمام المبادرة في أوكرانيا وتصبح مساهما صافيا بالأمن الأوروبي، لأنه من غير المرجح حفاظ الولايات المتحدة على مظلتها الأمنية الحالية فوق القارة في المستقبل.
بريطانيا والناتو
وفي إطار الالتزام الأوروبي القوي بتعزيز علاقته بالشركاء الإستراتيجيين، رحب القادة بالأمين العام لحلف الناتو مارك روته ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
وتعليقا على مشاركة ستارمر، قالت سيولان إن حضوره يعد إشارة واضحة على تحسن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد اتفاق “البريكست” معتبرة أن زيادة المشاركة بين لندن وبروكسل “تطور طبيعي في ظل قلق كلا الطرفين بشأن أمن أوكرانيا وتداعياتها الأوسع على الاستقرار الأوروبي”.
وتابعت “مع توقع تراجع المشاركة الأميركية في أوروبا، بما في ذلك الناتو، في المستقبل القريب، فإن الركيزة الأوروبية للحلف ستتعزز حتما. ونظرا لأن 23 دولة بالاتحاد هي أيضا أعضاء بالناتو، فإن التعاون الوثيق مع لندن -أحد أقوى الداعمين الأوروبيين لكييف والمساهم الرئيس في الدفاع على الجناح الشرقي- أمر إستراتيجي وضروري”.
وذكرت المتحدثة أن هذا التحول الجيوسياسي في السياسة الخارجية الأميركية يغير بالفعل تصورات أوروبا “ففي حين أن المنطقة ربما لم تعد في مركز الإستراتيجية الأميركية، فإننا نأمل أن تظل أوروبا واحدة من أهم الأولويات الثلاث لواشنطن”.
بدوره، أشار مدير مؤسسة “مبادرة الإستراتيجية الديمقراطية” إلى أن قمة الناتو -التي ستعقد في يونيو/حزيران المقبل- قد تحدد هدف إنفاق أعلى بكثير بنسبة قد تصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للدول المتحالفة.
وفي حين أن بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي ـمثل بولندا ودول البلطيق بلغت هذا الهدف بالفعل أو تقترب منه، فإن دولا أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة لا تزال بعيدة عن تحقيق ذلك، وفق تاليس.
ووفق تاليس “يُنظر إلى الحماس للمشتريات المشتركة للدفاع الجوي الباهظ التكلفة باعتباره إيجابيا في بعض الأوساط، ولكنه ليس كافيا لأن هناك حاجة أيضا إلى قدرات هجومية كبيرة لردع الأعداء، ويوجد تقدم أقل بهذا المجال”.
مواجهة ترامب
وفي اجتماع الزعماء الأوروبيين بالقصر التاريخي في بلجيكا، تطرق النقاش إلى صراع الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات بين أعضاء الاتحاد والولايات المتحدة حيث تضاعفت التساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن ستحمي أعضاء الناتو الذين لم يستوفوا عتبة الإنفاق.
وفي السنوات الأخيرة، زاد إجمالي الإنفاق الدفاعي لدول الاتحاد والاستثمارات الدفاعية بشكل كبير. ففي عام 2024، أنفقت الدول الأعضاء ما يقدر بنحو 326 مليار يورو على الدفاع، في حين ارتفعت الاستثمارات الدفاعية إلى 102 مليار يورو، وفق بيان المفوضية الأوروبية.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قال كوستا (رئيس الوزراء البرتغالي السابق) إنه “عندما تنشأ المشاكل والاختلافات، فيجب معالجتها من خلال إيجاد الحلول مع الدفاع عن قيمنا ودون المساس بمصالحنا” مؤكدا أن قيم السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية وحرمة الحدود تكمن في قلب النظام الدولي الذي ساهم كلا الطرفين في تحقيقه.
وتستبعد مسؤولة أبحاث السياسة الخارجية والأمن وجود “فخ بوتين ترامب” لأنه بالنسبة للأخير تظل فكرة “أميركا أولا” المبدأ التوجيهي لإدارته الثانية، وبالتالي ستكون السياسة الخارجية مدفوعة في المقام الأول بالجهود الرامية لتعزيز المصالح الأميركية، على حد تعبيرها.
وفيما يتعلق بتصعيد النزاعات التجارية أو فرض الرسوم الجمركية، تعتقد سيولان أن ذلك قد يخلف عواقب سلبية على الاقتصادات الأوروبية وعلى جزء كبير من الشركات والمواطنين الأميركيين.
كما أكدت أن التعاون بين واشنطن وبروكسل سيستمر في القضايا التي تتوافق فيها مصالحهما، وأن من مصلحة إدارة ترامب الحفاظ على علاقة وظيفية مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك التجاري الأهم.
وبناء على تصريحات ترامب العامة، يبدو أنه ملتزم بالتفاوض على إنهاء الصراع بأوكرانيا في أقرب وقت ممكن وإيقاف روسيا، لأن تركيز سياسته الخارجية منصب على منطقة آسيا والمحيط الهادي، مما يعني أن وضع حد للحرب الأوكرانية من شأنه تحرير الموارد والطاقة والجهود الأميركية لإعادة توجيهها نحو احتواء الصين.