الصين.. جلد فاخر ومناكفات قوية ناعمة التأثير

الصين عظيمة، حتى في خلافها مع خصومها، تمارس فن الإقناع لا البكائيات، وتخوض الحرب بذكاء لا بضجيج.
هل شاهدتم كيف تعرِّي سياسة أمريكا تجاهها بهدوء، وتكشف زيف الفقاعات الكلامية التي لا تسمن ولا تغني من تأثير؟
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحرب الاقتصادية على الصين عبر بوابة الرسوم الجمركية، والعالم يتابع واحدة من أكثر الحروب التجارية حدّة وتعقيدًا.
أمريكا أرادت كبح المدّ الصيني المتزايد، لكن الصين لم ترفع صوتها، بل رفعت مستوى حضورها في السوق العالمي، فدخلت من الأبواب الرئيسية، لا من فوق الأسوار.
وهنا نؤكد أن المقال لا يتجاهل واقع تأثير تلك الحرب على الشركات الصينية، خاصة الصغيرة منها، فالكثير منها تأثر فعليًا بالقرارات الأمريكية، وتضرر من ارتفاع الكلفة وتعقيد سلاسل التوريد.
ومع ذلك فإن الحديث هنا لا يُكتب لتسجيل نقطة نصر لترامب أو لأمريكا، بل لتسليط الضوء على كيفية توجيه التنين الصيني للحرب الإعلامية بطريقة هادئة ومدروسة، بعيدًا عن العبارات الانفعالية التي تشغل الناس ولا تقنعهم.
بكين أقنعت العالم بما فيها أمريكا نفسها أن منتجاتها تغمر الأسواق بأسلوب مهذب وفعّال، وأن مسألة «ختم الصناعة» لا تغيّر من حقيقة تفوقها شيئًا، سواء كُتب عليه «صنع في إيطاليا» أو «أمريكا» أو أي مسمى آخر.
ما يهم الصين ليست الأصوات المرتفعة المزعجة، بل الوصول إلى المستهلك عبر موانئ حرة، وأسواق نشطة، وذكاء تصنيعي، استطاعت أن تحقّق رسالتها التجارية، وتترك بصمة لا تمحى.
اليوم تُمطر الصين العالم بوابل يومي من المنتجات ذات الطابع الغزير، تدخل إلى المستهلكين من كل مكان، حتى من خلال علامات تجارية أوروبية وأمريكية، بعضها اليوم يواجه قضايا استرجاع بعد انكشاف حقيقة «التصنيع الصيني المُقنّع».
الشارع الأمريكي يعيش حالة من الاستياء، ليس فقط بسبب السلع، بل لأن الصين تفوقت بهدوء ولم ترد على الشتائم بشتائم، بل اختارت الرد بالإقناع المدروس.
والأهم: أنها اختارت التأثير لا مجرد الظهور في العناوين.
ولهذا.. نستفيد من الموقف الصيني. فحين تقرر أن ترد، فإنها تختار أدواتها بعناية، وتُمعن في دراسة نقاط الضعف، وتضغط في الوقت المناسب.
الجلد الحقيقي، هو ذاك الذي يُنهك الخصم دون أن يُسمع له صوت.
اما ما نراه اليوم في مواقع التواصل من مظاهر الحِراكات الاجتماعية والسياسية فهو مجرد صراخ «كلاميات» يتبخر في الهواء، قبل أن يصل إلى وجهته.. لا يؤذي أحدًا، ولا يزعج حتى العابرين إلى أهدافهم.
أخبار ذات صلة