المستوطنون ينتقمون من شرق قلقيلية بتحريض واستعداد سابق
في جريمة جديدة تضاف إلى سجل اعتداءاتهم اليومية والمتصاعدة على الفلسطينيين بالضفة الغربية، هاجم مئات المستوطنين قريتي الفندق وجينصافوط شرقي مدينة قلقيلية في شمال الضفة الغربية مساء أمس الاثنين، وأصيب 21 شخصا باعتداء من الجيش الإسرائيلي بالضرب والاختناق بقنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقوها صوبهم.
وانطلق المستوطنون في هجومهم في تمام التاسعة مساء من المستوطنات الثلاث؛ “كرني شمرون” غربا، و”عمانوئيل” شرقا، و”كدوميم” شمالا، الجاثمة على أراضي المواطنين في المنطقة، واستمر هجومهم أكثر من 3 ساعات أشعلوا خلالها مركبات وشاحنات وجرافة ومنشآت اقتصادية للمواطنين، وأحرقوا أجزاء من منزل بعد أن كسروا نوافذه وألقوا فيه زجاجات حارقة.
وطال الهجوم في البداية شاحنة رفع في قرية الفندق أحرقها المستوطنون قبل انتقالهم إلى منازل المواطنين وتحطيم نوافذها تمهيدا لإحراقها، لكن تصدّي المواطنين لهم حال دون ذلك، فانتقلوا لمهاجمة قرية جينصافوط، وخاصة الحي الشمالي فيها ومدخلها المتصل بشارع 55 الذي يقسم القريتين إلى نصفين، وأحرقوا أجزاء من منزل ومركبات تجارية خاصة و4 منشآت اقتصادية وزراعية.
وأجمعت الروايات التي حصلت عليها الجزيرة نت من الأهالي والجهات المسؤولة في تلك القرى أن الهجوم كان مبيّتا وأعدّ له منذ زمن، وخاصة بعد “عملية الفندق” التي نفذها مقاومون فلسطينيون وقتلوا فيها 3 مستوطنين وجرحوا 7 آخرين في السادس من الشهر الجاري.
وكانت بوادر الهجوم والتخطيط له قد ظهرت عبر التحريض الكبير بين المستوطنين واستفزازهم، وأعمال العربدة والاعتداءات المتفرقة التي سبقت الهجوم ليلة أمس، وحماية الجيش لهم، فضلا عن إعادة تفعيل أوامر هدم لمنشآت ومنازل لمواطنين في قريتي الفندق وجينصافوط منذ 2007، تم تنفيذ بعضها فعلا قبل أيام.
مشهد متكرر
يروي خالد بشير صاحب المنزل المستهدف -للجزيرة نت- أن كارثة كادت تقع بعد أن حطم المستوطنون نوافذ منزلهم الذي كانت والدته (64 عاما) وعائلته بداخله، وألقوا الزجاجات الحارقة ورشوا مواد سريعة الاشتعال داخله مباشرة، واستبقوا ذلك بحرق مركبة تجارية ومحرك كهرباء (ماتور) لهم.
ويضيف بشير أنهم “لولا أن همّوا وشبان القرية بإخراج والدته وشقيقه وابن شقيقته بسرعة من المنزل، لكادوا يتحولون إلى عائلة دوابشة ثانية”، في إشارة إلى العائلة التي أحرق المستوطنون معظم أفرادها في قرية دوما جنوبي نابلس قبل 11 عاما.
ويرفض بشير ترك المنزل تحت أي ظرف، رغم خطورة موقعه للمستوطنين، وقال إنهم “سيقفون للدفاع عنه والتصدي لاعتداءات المستوطنين”.
ولم يكن ما حلّ بعائلة بشير بعيدا عن مشتل المواطن محمود عدنان، حيث أحرق المستوطنون أكثر من 400 متر من مساحة المشتل الزراعي الذي يحوي أدوات ومعدات زراعية تقدر بأكثر من 50 ألف دولار أميركي.
وعلى مرأى من منه ومن منزله الذي لا يبعد سوى 200 متر عن المشتل، كان عدنان يراقب هجوم المستوطنين، لكنه لم يستطع القيام بشيء بفعل هول المشهد وخطورته، ومنع جيش الاحتلال لهم من الوصول لإخماد النيران والتصدي لاعتداء المستوطنين.
وهو ما فاقم من معاناة عدنان، كما يقول للجزيرة نت، وبات من المستحيل العودة للعمل بمنشأته الزراعية التي يزيد عمرها على 30 عاما، في ظل الدمار الكبير الذي حلّ بها وتحريض المستوطنين وانتشارهم المستمر.
تحريض مباشر
ومنذ وقوع “عملية الفندق” لم تتوقف اعتداءات المستوطنين وتحريضهم، لا سيما من قبل رئيس المجلس البلدي لمستوطنة “كدوميم” عوزئيل فتيك الذي دعا الجيش لإزالة القرى الفلسطينية وتطهيرها مثل الفندق وغيرها.
ويقول رئيس المجلس القروي لقرية الفندق لؤي تيّم إن المتطرف فتيك عمل على تثوير جيش الاحتلال على المواطنين، ودعا لإغلاق محالهم التجارية بين قريتي الفندق وجينصافوط، وعبر شارع 55 بين قلقيلية ونابلس الذي يتحكم به الاحتلال أصلا.
ويضيف تيّم للجزيرة نت أن فتيك عمل على تحشيد المستوطنين في الأيام القليلة الماضية في أرض تم احتلالها في قرية الفندق، ونصب فيها بيتا متنقلا (كرفان) وخياما للمستوطنين، وأعدّوا فيها الطعام والشراب ليومين، وذلك أمام ناظري جيش الاحتلال الذي أغلق الطرق المؤدي إلى المنطقة ومنع تواصل مدينة قلقيلية بقراها، ومنع تنقل المواطنين على أقدامهم عبر الشارع الرئيسي.
كذلك أغلق أحد جنود الاحتلال بيده بوابة عسكرية نصبها الجيش داخل قرية الفندق لإعاقة حركة المواطنين، بعد أن سبق فتحها للسماح للمواطنين بالمرور، فجاء يوم أمس وأغلقها، وسط تحشيد للمستوطنين في المكان، حسب قوله.
رفض التهجير
تكمن خطورة هجمات المستوطنين، كما يقول رئيس المجلس القروي تيّم، في أن شارع 55 يقسم القريتين إلى نصفين، وتحاصرهما المستوطنات، ومن ثم “يستفرد” المستوطنون بالقريتين عبر قطع أي تواصل شعبي معهما من القرى المحيطة.
وما ذهب إليه تيّم أكده جلال بشير رئيس المجلس قرية جينصافوط، وقال للجزيرة نت إن “الهجوم غير عفوي وهو مخطط ومبيت له بأعداد كبيرة من المستوطنين، وبتغاض من جيش الاحتلال والمستوى السياسي الإسرائيلي”.
ويؤكد بشير أن هجوم المستوطنين كان يهدف لارتكاب مجازر وقتل مواطنين داخل منازلهم، وأن مؤشرات كثيرة دلت على ذلك، أهمها حماية الجيش وقطع التواصل بين القريتين والتحريض المستمر. وأضاف “كل ذلك يريد به الاحتلال زعزعة استقرار المواطنين وإيذائهم، في محاولة لتهجيرهم بنهاية المطاف”.
وبعد هجوم المستوطنين أمس، دعا الأهالي في قرى شرق قلقيلية لتفعيل لجان الحراسة للتصدي لاعتداءاتهم الآخذة بالتصعيد، والتي فاقت 2970 اعتداء خلال 2024، حسب إحصائيات هيئة الجدار والاستيطان.
كذلك حذَّرت السلطة الفلسطينية، في بيان عبر وزارة خارجيتها، من مغبة تفاقم عنف المستوطنين، خاصة بعد إفراج وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن “غلاة المستوطنين المتطرفين” مؤخرا، والذين سبق أن نفذوا اعتداءات في مناطق الضفة الغربية.