Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخر الاخبار

بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟

أثار سقوط مدينة هجليج النفطية في غرب كردفان جدلاً واسعاً حول مستقبل الحرب في السودان، بعد أن فقدت الخرطوم أحد أهم مواقعها الاقتصادية الاستراتيجية. يثير هذا التطور مخاوف متزايدة بشأن تغير موازين القوة، مما قد يفرض مساراً سياسياً جديداً على أطراف الصراع، ويؤثر بشكل كبير على الاقتصاد السوداني المتدهور.

تقع هجليج بالقرب من دولة جنوب السودان، وتمثل نقطة ارتكاز اقتصادية حيوية للجيش السوداني، حيث اعتمدت الدولة على عائداتها في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأساسية. ومع انتقال السيطرة على هجليج إلى قوات الدعم السريع، وتعليق الشركات الأجنبية لأنشطتها، يزداد الضغط المالي على الخرطوم، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرة الجيش السوداني على مواصلة القتال.

تداعيات السيطرة على هجليج: أبعاد اقتصادية وسياسية للالحرب في السودان

يرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن توقف تدفق النفط لا يحرم الخرطوم من عائداتها فحسب، بل يضر بالبنية الاقتصادية للدولة في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى موارد مضاعفة لتثبيت خطوط الإمداد. ويؤكد أن هذا الوضع يضع الجيش في موقف صعب للغاية.

ويعتبر الدكتور مكي، في حديثه، أن خسارة هجليج تدفع الجيش من وضعية القتال النشط إلى وضعية الدفاع عن بقايا موارده الأساسية، مما يقلل من قدرته على المبادرة في الميدان.

على الصعيد السياسي، يمنح سقوط هجليج قوات الدعم السريع نفوذاً إضافياً. الكاتب والمحلل السياسي محمد تورشين يعتقد أن السيطرة على هجليج، على غرار ما حدث سابقاً مع مصفاة الجيلي شمال الخرطوم، ستشكل ورقة ضغط قوية لإرباك الحكومة وإضعاف موقفها في المفاوضات.

يصف تورشين هذا التحول بأنه “ضربة مركبة” تجمع بين الاستنزاف الاقتصادي للجيش وتوسيع مساحة المناورة السياسية لقوات الدعم السريع، مما يعقد عملية التوصل إلى حل سلمي.

توسع نطاق سيطرة الدعم السريع وتأثيره على الوضع الميداني

تتعاظم أهمية هذا التطور لأن السيطرة على هجليج ليست حدثاً معزولاً، بل تأتي ضمن سلسلة من التقدمات التي حققتها قوات الدعم السريع في غرب كردفان. هذا التوسع في النفوذ يهدد الاستقرار الإقليمي ويزيد من تعقيد المشهد السياسي.

وفقاً لتورشين، تسعى قوات الدعم السريع إلى خلق محاور ضغط متزامنة على الأُبيّض والدلنج وكادقلي في كردفان، بهدف إجبار الجيش على خوض معارك على جبهات متعددة، مما يستنزف قدراته ويضعف معنوياته.

ردود الفعل الدولية والمخاوف الأمريكية

هذه التطورات الميدانية تثير قلقاً متزايداً لدى الولايات المتحدة. الدكتور كاميرون هدسون، مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان، يرى أن سيطرة الدعم السريع على مواقع اقتصادية كبرى تدفع واشنطن إلى إعادة تقييم مقاربتها للوضع في السودان، حيث يتغير ميزان القوة بوتيرة أسرع من المتوقع.

ويشير إلى أن تقدم الدعم السريع نحو مناطق مأهولة بالسكان وثقلية مثل الأُبيّض أو أطراف العاصمة الخرطوم، يعني اقتراب الصراع في السودان من “منطقة اللاحسم” التي تخشاها الولايات المتحدة، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل مستدام.

ويضيف هدسون أن واشنطن تخشى سيناريو يصبح فيه الدعم السريع القوة المهيمنة فعلياً على معظم غرب وجنوب السودان، مما يحد من فرص فرض تسوية متوازنة. ويعتبر أن هذا المسار قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل السياسي بشكل أكبر، حتى وإن كانت رؤيتها للحل لا تزال غير واضحة تماماً.

ومع ذلك، يواجه هذا التدخل ارتباكاً، حيث تتباين مواقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمبعوث الخاص، مما يعكس غياب إستراتيجية موحدة.

الآفاق المستقبلية وتحديات التسوية

على الجانب السوداني، تتعمق الأزمة مع غياب أدوات بديلة تعوض خسارة العوائد النفطية. ويؤكد لقاء مكي أن انهيار الإيرادات يضع الجيش أمام اختبار قاسٍ، لأن الحرب لا يمكن إدارتها بلا موارد ثابتة، بينما تزداد كلفة العمليات كلما توسعت رقعة سيطرة الدعم السريع. هذا الخنق المالي يختصر زمن الحرب ويجعل التفاوض أمراً حتمياً.

ويرى مكي أن الخرطوم، رغم رفضها المتكرر لأي صيغة تشمل الدعم السريع، تُدفع تدريجياً نحو الاعتراف بأن استبعاد خصم يسيطر على نصف البلاد ليس خياراً قابلاً للتطبيق. ومع ذلك، تبقى التسوية بعيدة عن الصياغة النهائية، حيث لم تتفق القوى الإقليمية والدولية بعد على شكل النظام السياسي المقبل، والدعم السريع لا يمتلك أدوات حكم مستقرة، والجيش يرفض منح خصمه شرعية سياسية.

من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من التوتر الميداني والضغط السياسي، مع استمرار الأطراف المتنازعة في البحث عن مكاسب على الأرض. يبقى التوصل إلى حل سلمي أمراً بالغ الصعوبة، ويتطلب جهوداً إقليمية ودولية مكثفة، بالإضافة إلى تنازلات من جميع الأطراف. ما يجب مراقبته عن كثب هو تطورات الوضع الاقتصادي، وردود الفعل الدولية، وأي مبادرات جديدة للوساطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى