تحاول منصة نتفليكس في الآونة الأخيرة مجاراة منافستها الأبرز “آبل تي في بلس” من خلال دعم المخرجين الكبار وإنتاج أفلام تُعرض في المهرجانات السينمائية العالمية قبل طرحها عبر المنصة، في سعي واضح لحصد الجوائز الكبرى وتعزيز مكانتها الفنية. وخلال هذا العام، شاركت نتفليكس بعدد من الأعمال اللافتة، من بينها فيلم “فرانكشتاين” (Frankenstein) الذي عُرض في مهرجان فينيسيا السينمائي.
بدأ عرض فيلم “بيت من الديناميت” (A House of Dynamite) مؤخرًا على منصة نتفليكس، وينافس على قمة قائمة الأعلى مشاهدة عالميا، وذلك بعد مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا. وينتمي الفيلم إلى نوعية الإثارة السياسية، ويضم نخبة من النجوم مثل إدريس ألبا، وريبيكا فيرغسون، وجاريد هاريس، وأنتوني راموس، وغيرهم.
سمات بيغلو الإخراجية: الواقعية تحت النار
تُعدّ كاثرين بيغلو مثالا بارزا على المخرجين المؤلفين، إذ تتجلى رؤيتها الشخصية في كل عمل تقدّمه. وتحمل أفلامها دائمًا توترا وجوديا يتقاطع مع مفاهيم العنف والسلطة والخطر، وتعكس انشغالها العميق بالسؤال الأخلاقي داخل المواقف المتطرفة.
تستخدم بيغلو الكاميرا كأنها عين داخلية ترصد إحساس الخوف والمسؤولية، وتقدّم مشاهد الحرب والسياسة بواقعية قاسية لا تمجّد البطولة، بل تكشف هشاشة الإنسان أمام القوة والسلاح. أما فيلمها الجديد “بيت من الديناميت”، فيحمل معظم سمات بيغلو المميزة، إذ يقدّم حكاية عن الحرب والسياسة بقدر كبير من الواقعية والبساطة.
الهشاشة الإنسانية خلف المكاتب السياسية
يركّز الفيلم على النقطة الجامعة بين الشخصيات التي تتعامل مع الحدث المرعب، وهي الهشاشة المطلقة. فهؤلاء المسؤولون والمسؤولات، من الرئيس الأميركي وحتى أصغر موظف بالبيت الأبيض، لم يتوقعوا أبدا مواجهة هذا الموقف.
تشكل مركزية العائلة رابطا إضافيا يجمع هذه الشخصيات معا؛ فعلى الرغم من مواقعهم الإستراتيجية في الولايات المتحدة، فإنهم في النهاية أمهات وآباء. وعندما يتعرضون لمواقف تهدد حياة البشر، يكون أول من يفكرون بهم هم أبناءهم.
تعتمد بيغلو أسلوبا واقعيا قريبا من الطابع الوثائقي، فتحرص على أن يشعر المشاهد بأنه جزء من التجربة لا مجرد متفرج. ويتحقق ذلك من خلال تفاصيل واقعية دقيقة في الصورة والصوت والإضاءة.
فيلم “بيت من الديناميت” عمل مؤثر يفضح هشاشة الأرض التي يقف عليها سكان العالم، وإمكانية إنهاء الحياة بضغط زر خاطئ أو تحت ذريعة إثبات النفوذ والسيادة. غير أن ما يجعل الفيلم استثنائيا هو الطريقة التي تحول بها كاثرين بيغلو هذا الخطر الكوني إلى تجربة إنسانية خالصة.
بهذا الأسلوب تؤكد بيغلو فكرتها الدائمة: أن القوة ليست سوى وهم هش، وأن أعظم ما يهدد الإنسان ليس السلاح النووي ذاته، بل قراره في اللحظة الفاصلة. يبدو “بيت من الديناميت” امتدادا طبيعيا لمسيرتها السينمائية، حيث يتحول الحدث السياسي إلى مرآة لقلق الإنسان المعاصر.
