حاكم مصرف لبنان المركزي يتحفظ على مشروع قانون سداد الودائع

أبدى حاكم مصرف لبنان المركزي، كريم سعيد، تحفظات على مشروع قانون يهدف إلى السماح للمودعين باسترداد تدريجي لأموالهم المجمدة منذ الانهيار المالي عام 2019. يمثل هذا القانون خطوة حاسمة في جهود إنعاش الاقتصاد اللبناني المتدهور، لكن سعيد يرى أن الجدول الزمني المقترح قد يكون طموحًا للغاية. وتأتي هذه التحفظات في وقت يواجه فيه لبنان أزمة اقتصادية حادة، مما يجعل عملية استعادة الثقة في النظام المالي أمرًا بالغ الأهمية.
وقال سعيد في بيان رسمي، إن مشروع قانون الاستقرار المالي وسداد الودائع يمكن تعديله دون المساس بحقوق المودعين، وذلك لضمان استمرار المدفوعات وتنفيذها بشكل كامل على المدى الطويل. وأوصى بأن يقوم مجلس الوزراء بمراجعة دقيقة وشاملة للقانون، بهدف إدخال التحسينات اللازمة لضمان العدالة والمصداقية وقابلية التطبيق العملي قبل إحالته إلى مجلس النواب.
تفاصيل مشروع قانون استرداد الودائع
أعلنت الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام، عن طرح مشروع قانون لمعالجة الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد منذ ست سنوات. ويعتبر هذا القانون متوافقًا مع معايير صندوق النقد الدولي، ومن شأنه أن يساهم في استعادة الثقة في النظام المالي اللبناني. يهدف القانون إلى تحديد آلية لتقاسم الخسائر بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية والمودعين.
وفقًا لتقارير إعلامية، ينص مشروع القانون على سداد ودائع صغار المودعين، أي أولئك الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار أمريكي، عبر أقساط شهرية أو ربع سنوية على مدى أربع سنوات. هذه الخطوة تهدف إلى تخفيف العبء على الفئة الأكبر من المودعين الذين يعانون من صعوبة الوصول إلى أموالهم.
أما بالنسبة للودائع التي تتجاوز هذا السقف، فسيتم سدادها جزئيًا من خلال أوراق مالية مدعومة بأصول يمتلكها مصرف لبنان، مع تحديد حد أدنى للعائد السنوي يبلغ 2%. تعتبر هذه الأوراق المالية وسيلة لتمكين المودعين من استعادة جزء من أموالهم مع مشاركة الدولة في تحمل الخسائر.
آليات تقاسم الخسائر
يحدد مشروع القانون آجال استحقاق هذه الأوراق المالية وفقًا لحجم الودائع، حيث تتراوح بين 10 سنوات للودائع التي تصل إلى مليون دولار، و15 سنة للودائع التي تتراوح بين مليون وخمسة ملايين دولار، و20 سنة للودائع التي تتجاوز 5 ملايين دولار. تستند هذه الأوراق إلى إيرادات وأرباح الأصول المملوكة للمصرف المركزي، بالإضافة إلى أي عائدات محتملة من بيع هذه الأصول.
بالإضافة إلى ذلك، يلزم مشروع القانون شركة تدقيق دولية بإجراء تقييم شامل لأصول مصرف لبنان خلال شهر من إقرار القانون. يهدف هذا التقييم إلى تحديد حجم الفجوة التمويلية بدقة، مما يساعد في وضع خطة سداد واقعية ومستدامة. كما ينص المشروع على تحويل الديون المستحقة على الدولة لمصرف لبنان إلى سندات، يتم الاتفاق على مدتها وفائدتها السنوية بين وزارة المالية والمصرف المركزي.
تأتي هذه الخطوة في إطار جهود إعادة تنظيم العلاقة المالية بين الدولة والمصرف المركزي، وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العامة. وتعتبر هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة الثقة في النظام المالي اللبناني وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تصنف المؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي، الأزمة اللبنانية ضمن أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وقد أدت هذه الأزمة إلى تجميد حسابات الدولار، وفرض قيود مشددة على السحوبات، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 95%.
يعود سبب الانهيار المالي إلى سياسات مالية غير مستدامة، وهدر وفساد على مدى عقود، مما أدى إلى تخلف الدولة عن سداد ديونها السيادية.
من المتوقع أن يواصل مجلس الوزراء مراجعة مشروع القانون في الأيام القادمة، مع الأخذ في الاعتبار تحفظات حاكم مصرف لبنان المركزي وملاحظات الخبراء الاقتصاديين. وستكون الخطوة التالية هي إحالة القانون إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره. ومع ذلك، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل القانون، حيث قد تواجه عملية إقراره تحديات سياسية واقتصادية.
يجب مراقبة تطورات هذا القانون عن كثب، حيث أنه يمثل فرصة حاسمة لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية الحالية، واستعادة الثقة في النظام المالي، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.





