Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

حرب غزة تكشف هامشية الدور الفرنسي بالشرق الأوسط

باريس- أشعلت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فتيل المشادات الكلامية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث حثّ على وقف تسليم الأسلحة لإسرائيل وضرورة “العودة إلى الحل السياسي” خلال مقابلة مع وسيلة إعلام محلية أمس السبت.

وكما كان متوقعا، لم يتأخر نتنياهو في الرد بسرعة، وقال في بيان صادر عن مكتبه “بينما تقاتل إسرائيل قوى الهمجية بقيادة إيران، يجب على جميع الدول المتحضرة أن تقف بحزم إلى جانب إسرائيل. ومع ذلك، يدعو الرئيس ماكرون وغيره من الزعماء الغربيين الآن إلى فرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل، عار عليهم”.

وبينما يخشى الاحتلال الإسرائيلي من “تأثير الدومينو” الذي قد يدفع دولا أخرى إلى إصدار قرار لمقاطعة مبيعات الأسلحة له، على غرار المملكة المتحدة وألمانيا وكندا، يرى مراقبون أن الدعم الفرنسي لإسرائيل لا يزال قويا ولم يتغير على أرض الواقع، مما جعل نفوذ فرنسا بالشرق الأوسط “هامشيا” أكثر من أي وقت مضى.

موقف داعم

وقد أعرب الرئيس الفرنسي عن قلقه إزاء الحرب التي تدخل عامها الثاني في غزة، رغم الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار. وقال إن “تجنب التصعيد في لبنان يشكل أولوية، ولا يمكن للبنان أن يصبح غزة جديدة”.

وقد فسرت الناشطة الفرنسية الفلسطينية والنائبة في البرلمان الأوروبي ريما حسن، إدانة ماكرون “الصارمة” للتوغل العسكري الإسرائيلي بالأراضي اللبنانية بـ”التقارب التاريخي” بين البلدين لبنان وفرنسا، أكثر مما هو تجاه الفلسطينيين “ولأنه يمكن اعتبار اللبنانيين ضحايا حريق إقليمي لم يختاروه حقا”.

وقالت النائبة -في حديث للجزيرة نت- إن الدور الفرنسي جزء من الديناميكية الأوروبية، وتضيف “نعلم أن اتفاقية الشراكة الإسرائيلية ليست موضع شك، على الرغم من أن المادة الثانية منها تنص على أنها مشروطة باحترام حقوق الإنسان، ومن المعروف أن عددا من الدول الأوروبية تواصل إمداد إسرائيل بالأسلحة وتربطهم شراكات إستراتيجية”.

وأكدت النائبة أنه على الرغم من مطالبة الحركات الطلابية بإنهاء الشراكة والمقاطعة الأكاديمية ـكما كان الحال مع روسياـ لوضح حد للتعامل بمعايير مزدوجة، إلا أنه حتى الآن لا توجد أي عقوبة أو قرار ملموس “وهكذا فإننا نستنتج أن الدعم لإسرائيل يكاد يكون كاملا وفوق الطاولة، ويتم تأكيده كل مرة يختبئون فيها وراء الصيغ الدبلوماسية للإيحاء بأنهم أصوات السلام”.

من جانبه، استذكر المستشار السابق بالخارجية الفرنسية مناف كيلاني استمرار شريط هذا الدعم منذ اندلاع الحرب على غزة، بالقول إن “فرنسا أرسلت السفن الحربية بموافقة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، رغم أن هذا يقع خارج أدوارهما، لأن السياسة الخارجية مجال السلطة التنفيذية، ثم هرع الجميع للقاء المسؤولين الإسرائيليين وإظهار التضامن غير المشروط معهم”.

كما وصف المستشار السابق الموقف الفرنسي بـ”المتعرج” فمن ناحية قال رئيس الجمهورية إن “على الحرب أن تنتهي” بينما يؤكد أن الأسرى الإسرائيليين في غزة يجب أن يعودوا، وأن بلاده تدعم إسرائيل وأن أمنها غير قابل للتفاوض، كما أن موقف وزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو كان دائما يصب في مصلحة السياسة الإسرائيلية.

غياب المصداقية

وباعتماد خطاب أقل تصالحا تجاه السلطات الإسرائيلية مما كان عليه خلال رحلته الأولى إلى إسرائيل في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2023، طالب ماكرون بوقف القصف ضد المدنيين في غزة خلال مقابلة مع إذاعة “بي بي سي” البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

غير أن مصداقية تصريحاته لا تزال موضع شك، حيث تعتبر النائبة الأوروبية أن موقف فرنسا تطور على نحو خجول جدا بسبب رغبتها المستمرة في ربط حماس بالحرب الدولية ضد الإرهاب، وبالتالي إنشاء نوع من التكافؤ بين “تنظيم الدولة” والمقاومة الفلسطينية “وقد كان ذلك خطأً في إعلان ماكرون الأول والذي عدله السلك الدبلوماسي بعد أيام قليلة”.

وأوضحت الناشطة الفلسطينية الأصل أن هناك صعوبة في التوصل إلى صوت مشترك على المستوى الإقليمي حول هذا الموضوع، وبشكل خاص ألمانيا “وهي الدولة المتورطة تاريخيا، والمسؤولة أيضا عن الإبادة الجماعية لليهود، مما يبرهن كونها الأكثر رقابة وحتى قمعا”.

وتضيف موضحة “في فرنسا، تعرض عدد من النشطاء إلى تهمة الدعوة إلى الإرهاب، بينما اتبعت ألمانيا طرق الاعتقالات وقمع الشرطة العنيف للمتظاهرين الداعمين للقضية الفلسطينية”.

وفي المقابل، وصف المستشار كيلاني تصريحات وزير القوات المسلحة بعدم إرسال الأسلحة لإسرائيل بـ”الادعاءات الكاذبة” التي أفقدت فرنسا مصداقيتها، وجعلت دورها مقتصرا على دور “حامل الرسائل لإسرائيل وأميركا” مشيرا إلى أن ما يحدث اليوم شبيه بسياسة الرئيس الراحل جاك شيراك لكن “بمزيد من النفاق”.

وأشار كيلاني إلى معارضة فرنسا مرتين بالأمم المتحدة وفي جميع الاجتماعات الدولية لمشروع القرار الروسي الرامي لفرض وقف إطلاق النار، فضلا عن عدم إصدارها أية إدانة لعملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أو التوغلات الإسرائيلية في لبنان.

وتابع بالقول “بينما تسعى فرنسا دائما إلى تقديم الدروس بشأن احترام حقوق الإنسان سواء للشرق الأوسط أو لمستعمراتها السابقة، أدينت هي نفسها عدة مرات من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب فشلها في الالتزام بقوانينها”.

تراجع دبلوماسي

وفي ظل الحماية السياسية والعسكرية التي توفرها الولايات المتحدة لحليفتها إسرائيل، يرى المتحدثان أن تأثير ونفوذ فرنسا في الشرق الأوسط ـبما في ذلك لبنانـ أصبح “هامشيا”.

وبحسب الناشطة، فإن ذلك يعود إلى “غياب مسار أوروبي مشترك حول موضوع الحرب على غزة” مما يفسر غياب فرنسا عن الدبلوماسية الدولية، موضحة أن هذا “الفشل الفرنسي الأوروبي يكمن في عدم قدرتهما على انتهاج سياسة خارجية مشتركة، واستمرار ملاحقة ظل ذكرى المحرقة التاريخي الذي يمنع سياسة بعض الدول من احتضان القضية الفلسطينية بشكل واضح”.

وتابعت بقولها إنه لا توجد هيكلة موحدة للموقف الأوروبي أو ديناميكية مشتركة تتحدث بصوت واحد، وحتى داخل البرلمان الأوروبي -الذي بات يغلب عليه التوجه اليميني المتطرف- نجد أن موقف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مختلف تماما عن موقف وتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

وقالت النائبة الأوروبية -في حديثها للجزيرة نت- إن الخطاب الدبلوماسي الفرنسي يقتصر اليوم على الدعوة لوقف النار بدون إصدار أية عقوبة ضد إسرائيل للضغط عليها، رغم توثيق انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي منذ سنوات “لأننا أمام مسألة الاستعمار والاحتلال والحصار غير القانوني على غزة، فضلا عن الفصل العنصري”.

أما المستشار كيلاني، فيرى أن “ماكرون وحكومته السابقة أو الحالية لم يأتوا من فراغ، وإنما خلفا لسياسيين آخرين يتبعون العقيدة نفسها في الدبلوماسية الفرنسية” ويعني بذلك العقيدة التي ظلت قائمة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو التي لا تطبقها إسرائيل اليوم “لأنها لا تلبي مصالحها، المتمثلة في توسيع المستوطنات وتقليص الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

ويعتبر كيلاني أن عقيدة الاسترضاء هذه تهدف إلى “جعل الفلسطينيين يكتفون تدريجيا بمطالب وحقوق أقل، لينتهي بهم الأمر إلى التخلي تماما عن فكرة وجود دولة مستقلة أو الحصول على أي سيادة ولو على جزء من الأراضي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى